قصة ظريفة قرأتها، ولربما هي من واقع ما نعيشه اليوم تحت خط الفقر بأمتار، من سياسات الإهمال والفشل وما أوصلوا العباد والبلاد إلى الهاوية. فيروى أن رجلاً غنياً في بلد أوروبي سأل صديقه : لماذا يرميني الكل بالبخل، وهم يعرفون أنني أوصيت بأن تذهب جميع أموالي للفقراء بعد وفاتي. فقال له صديقه: دعني أخبرك قصة الثور والبقرة، فقد اشتكى الثور للبقرة يوماً قائلاً: الناس دائماً يطرون لطفك وجمال عينيك، فيما يستعملون جميع العبارات لذمي، ولا شك أنكِ تجودين عليهم بالحليب ولكنني أعطيهم لحمي كله، فلماذا لا يحبونني؟! وأطرقت البقرة قليلاً ثم قالت: ربما كان ذلك لأنني أعطي خلال حياتي.. هذه القصة بالاسناد إلى الكاتب القدير (مشعل السديري) ـ شاعر وكاتب في جريدة الشرق الأوسط ـ  بدوره يتساءل ما الفائدة أن يعيش البعض وحياته صحراء قاحلة لا يجد كل من حواليه لا عشباً يرعونه ولا ماءً يشربونه ولا أملاً يرجونه، غير سراب يمتد أمام عيونهم إلى ما لا نهاية، وهم يعرفون أن خزائنه الممتلئة تكاد تختنق بما فيها ـ أليس زعماء السلطة في لبنان يختنقون من تخمة ما جمعوا من أموال ومكتسبات لربما لو كل زعيم فتح نافذة صغيرة من خزائنه للأقل لرجعت أموال المودعين المسروقة، فضلاً عن أموال الشعب وكانت الدولة بخير ـ وأسوأ من ذلك إذا امتد به العمر طويلاً وتساقط كل من حوله الواحد تلو الآخر، وذهبوا إلى الدار الآخرة، وبطونهم مقبورة من شدة الفقر والجوع، وإذا ما قدر له أن يودِّع بعد أن يبلغ من العمر أرذله، سوف يكتشف أنه أوصى بثلث ماله لعمل الخير. هذا أمر حسن، ولكن أحسنه وأروعه أن يكون أثناء حياته، وهذا الثلث الذي ادخره إلى ما بعد وفاته، لماذا لا يوزعه على أيامه وأعوامه، يمسح دمعة مظلوم، ويشد من أزر ملهوف، ويستر بيوتاً تكاد أن تنهد على من فيها من شدة الحاجة؟. أرجو المعذرة لو أنني تجرأت وقلت: خير لكل صاحب مال أن يكون بقرة تجود بحليبها في كل يوم، من أن يكون ثوراً يعطينا لحمه وشحمه الممتلئ (بالكوليسترول) بعد أن يسقط، فالناس يطلبون القوت يوماً بيوم، وإذا كان هناك عمل خيري ثابت فمن الأفضل أن يشرع فيه صاحبه وهو لا يزال حيَّاً يُرزق. وهكذا ترون أنني أخذت بناصية (الإرشاد والنصح) ولم يبقَ لي إلا أن احضر لي سلماً لأقف فوقه خطيباً، فالحكاية أعجبتني وصدقت نفسي، وكدت أنسى من أنا؟!