هو فقيهٌ ومرجعٌ إسلامي كبير، وقائد الثورة الإسلامية في إيران، وإمام المستضعفين والمحرومين، هو تاريخٌ مفتوح على التاريخ، عندما نقف بين دفتي كتابه، وعلى جنبيه نقلِّب أوراقه وأنامله، حينها نعرف كيف نقرأ صفحات التاريخ لنعرف أنها ليست قصة ورواية تُسامر حاكيها وراويها، بل تُصبح واقعاً موجوداً تعيش في خلد حاضرنا ومستقبلنا، وتبعث فينا حافزاً كبيراً للنهوض من كبوتنا وسُباتنا، لنقرأ في روح الله ومضات من سيرة إمامنا وإمام الغلابا والفقراء والمظلومين الإمام علي بن أبي طالب (ع)، الذي تخلَّى عن كل ملذات وشهوات الكهنة والكهنوت والسماسرة واللصوص واصفاً الدنيا والسلطة (عفطة عنزة، والدنيا جيفة).
 وهذا ـ الخميني ـ كان تحت يديه ـ امبراطورية ـ بكل معانيها، من أموال تهز الدنيا هزَّا، وترجُّ الأرض رجَّاً، عاش في بيت صغير يقيه الكفاف والحاجة فقط، لم يقرِّب أحد أبنائه وأقاربه ومن يلوذ في الفلك، واصفاً: بعض من يرتدي العمامة وبعض المعمَّمين الذين كانوا العالة على المجتمع والحوزات الدينية ويثيرون المشاكل ويعمقون الاختلافات لأغراض شخصية ومنافع دنيوية. ويهتك بعضهم البعض، ويفسق هذا منهم ذاك، ويخلقون البلابل ويتناقشون على أمور حقيرة، فإنهم بذلك يخونون الإسلام والقرآن، يخونون الأمانة الإلهية التي كلفوا بحملها وحفظها. إنَّ الإسلام المقدَّس أمانةٌ إلهية في أيدينا. القرآن الكريم أمانة الله الكبيرة، والعلماء هم المؤتمنون عليها، ويجب حفظها، وعدم خيانتها. وما التشتت والاختلاف واللغط والضجيج الذي لا طائل تحته إلا خيانة للإسلام ولنبيه محمد (ص). أنا لا أدري لمَ هذه الاختلافات والتحزبات، إذا كانت على الدنيا ومن أجلها، فأي شيء من الدنيا لكم؟ ثم إذا كان لكم من الدنيا ما يختلف عليه، فإن الاختلاف منكم على الأمور الدينية غريب، اللهم إلا أن لا يكون له من العالمية إلا العباءة والعمامة. إنَّ العالِم الذي يعتبر نفسه مرتبطاً بالله سبحانه، يعلم جيداً أنه من المستحيل أن يكون هدفه هو الدنيا ومستهويات النفس فيها، أنتم يا دعاة الاقتداء بأمير المؤمنين (ع)... على الأقل طالعوا قليلاً حول حياته (ع)... لتروا أنكم لا تقتدون بشيء من سلوكه، هل تعلمون شيئاً عن زهده وتقواه وحياته البسيطة والنظيفة؟ هل تطبِّقون شيئاً من ذلك... (كتاب: الجهاد الأكبر). هنا علَّق أحد العلماء الذين تربوا على هذا النهج قائلاً: لست مضطراً إلى اصطناع قدر كبير من المجاملة أمام ظاهرة الترف من بعض من يرتدي العمامة وهي طبقة لا يستهان بها، وخصوصاً ما يتعلَّق بالشؤون المالية من حقوق وأخماس وزكوات، تراها مختصة فيهم وبأولادهم وحواشيهم وأقربائهم وأصهرتهم ـ وخصوصاً أمام ما يجري اليوم من صعوبة في رغيف الخبز ـ يعرف كيف تصطنع هذه العوائل لنفسها ترابطا احتكارياً، وتمنع سيلها جموع كثيرة من الطلبة وطلاب العلوم الدينية، ويكفي اليوم أن يجول المرء بفكره للاطلاع على أحوال هؤلاء وعوائلهم، حتى يدرك جيداً، كيف أهبط الله سبحانه رزقه لعباده فقرَّت في خزائنهم؟ وكيف منَّ الله تعالى على كبيرهم وصغيرهم؟ وليس فقط بالضروريات، بل بالدور والبيوت الواسعة والسيارات الفخمة والضخمة والكثيرة، بل بالكماليات أيضاً، كل ذلك يا صديقي تحت ستار "الشأنية"، وبحجة أنهم في خدمة الدِّين وتبليغ الشريعة، وفي الواقع أكثرهم لا حظ لهم من العلم والفكر، بل، زادهم الله بسطةً في الجسم وقلةً في العقل.
 وأيضاً يذكر الشهيد مطهري في محاضرة له لطلاب العلوم الدينية: أنه لا يوجد عندنا نظام ودفتر سجلات لقبض الحقوق المالية كالخمس، أو لصرفه، وإنما يكون الدفع خاضعاً لعواطف المؤمنين، بينما يخضع الصرف لمزاجية المستلم للخمس....
 ويقول الشيخ الفقيه محمد جواد مغنية: وأي ذنبٍ ـ للنجف ـ الحوزة ـ إذا دخلها وخرج منها بليداً لا يصلح لشيء، أو ضعيف الهمة، أو لص...، وهل يُطلب منها أكثر من البراءة منه، وعدم الثقة.. ـ كتاب ـ مع علماء النجف.... 
هذه هي عمامة الدين، وهذه هي العظمة التي مارسها علماؤنا العظام ومنهم من بذل دمه في سبيل ذلك، وعلى القارئ أن يعي ماذا أقول، ولا أريد ذكر الأسماء فالتاريخ أمامكم، هذه هي السُبُل الواضحة التي يصل منها الإنسان وخصوصاً العلماء كأمثال الإمام الخميني الذي تخطى حدود الأمصار، فكانت عظمته كالشمس فوق الحدود، وهذا هو معنى الإيمان الذي يخضع لهذا الشعور، فليس غريباً أن يكونه الخميني، بل، الغريب أن لا يكونه. وليس غريباً أن يكون ـ علياً ـ أعدل خلق الله، بل، الغريب أن لا يكونه، فكانت الأرض ومن فيها كمشة تراب في قبضته، تخرج من أناملها علماء وأتقياء وزهَّاد وثوَّار ومجاهدين ورسل بلا حدود.... 
الشيخ عباس حايك