لاستجلاء هذا الشبه، لا بد لنا من ذكر بعض الوقائع التي تؤيد النهج والطريق الذي سلكه إمام الوطن والإنسان والمقاومة، وإلى أي مدى كان هذا الطريق مرتبط بخط الولاية لمدرسة أمير المؤمنين وأهل البيت (ع)، والذي صُبغ بصبغتها، وفرَّغ بقايا الضوء العالقة على ناصية تاريخ هذا الوطن، لأنه ليس حجارةً وإسمنتاً، أو عمارة معروضة للبيع، أو تاريخاً ذبذبه ذُبابٌ إلكتروني، أو كتبه مؤرخ سلطان وكاتب سلطة، ليشرف عليه محققٌ مأجورٌ من هنا، أو مندوبٌ مستأجرٌ من هناك، أو من سلطات الإنتداب بشقيها القديم والجديد. إنَّ الهدف الأسمى التي تسعى إليه تلك العمائم المضيئة تلك السوداء منها والبيضاء منذ نشأت تلك المؤسسة الدينية  لتأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي كان إيذاناً وإعلاناً بدخول الطائفة الشيعية الكريمة عصر المؤسسات والتخلي عن الفئوية والعصبوية التي هي ليست مبدأ مشكوراً في ثقافتنا العقدية وفي أدبياتنا الإسلامية، لأنها في نظرهم هي عقدة العقد، وبالتالي، تشكل سلبية من السلبيات التي لا تدعو إليها ثقافتنا في هذا الوطن، فإذا ما تحوَّل الوطن إلى فئوية وعصبوية وحزبية، وكلٌّ يتعصَّب لفريق هنا أو لأفكار ومصالح شخصانية ضيِّقة، فهذا ما يؤدي إلى السلبية البغيضة والشك داخل الفئة الواحدة فضلاً عن المجتمع بأكمله داخل سقف الوطن، حتى لا نصبح مكشوفي الرأس في العراء التاريخي. ولولا ذلك، لكان تغييب الإمام المؤسس موسى الصدر على مدى أعوامٍ كفيلاً بالإنقطاع عن هذا المسار، حتى تعيين العلامة الشيخ علي الخطيب الذي تأسَّس في مدرسة الصدر وانتهج فكره ونهجه حافظاً لمجتمعه ومصالحه، ومدافعاً عن مقاومته في وجه الغطرسة الإسرائيلية الطامعة والطامحة في أرضنا ووطننا، وفي فكره وعقله وسلوكه، ويواصل ويضيف ويفتح آفاق التواصل والتلاقي مع المثال اللبناني الجامع المنشود لدى إمامنا موسى الصدر، وينأى سماحة الشيخ الخطيب الذي يرأس المنصب في هذه المؤسسة عن الجدل العصبوي الضيِّق، الذي قد تستبد به منغصات ومثيرات السلب والسلبيات في ذاكرتنا الشيعية الوطنية لكي ما تؤجِّجه ذبابٌ وذبذباتٌ في مستقبل أبنائنا في هذا الوطن النهائي لجميع بنيه وأبنائه، حتى لا تحدُّ من قدرته على التبصُّر والنهوض نحو مستقبل أفضل ومشرق كما كان يسعى إليه إمام الوطن موسى الصدر. من هنا نرى وجه الشبه بين العلامة الخطيب والإمام الصدر، إذ أنَّ العلامة الخطيب يواصل من موقعه في حركته ونشاطه إلى كل المناطق في لبنان تصل إليها لقاءات منفتحة متحدة، ولا تصل من سماحته خطاباً طائفياً ضيقاً أو كلاماً فئوياً غرائزياً، بل لقاءات لآمسناها تتواطأ على الصلة والتواصل على الخير والتلاقي والمحبة والانفتاح الذي استمد مشروعيته من إيمانه الوطني الممنهج والمنفتح على كل حوار في ظل ما يجرى اليوم من أزمات داخلية وخارجية. من هنا، فإننا أمام عمامة الخلف من عمامة السلف الذي حكم فكره وعلمه وإيمانه ودينه ولغته على مرحلة كاملة في الحياة الاجتماعية والسياسية التي تجلَّت وتمظهرت في كثيرٍ من الاجتهادات الجديدة، وتبقى عباءة الخطيب ملتصقة بعباءة الصدر وقسمه ولكنته القريبة من كل لبناني في هذا الوطن العزيز، حفظ الله تلك العمامة وأعاد سماحة الإمام ورفيقيه، وحفظ الله الجميع.