هي عفَّة عدشيت وشيخها وإمام مسجدها، الشيخ المتواضع علي حايك، وهو رجل دينٍ جنوبي عاملي مجاهد، من بيتٍ كبيوتنا العاملية المحافظة، ومن عائلة نشأت على الدين والإيمان وغرست في حقلٍ من حقول يديها حب الإمام الحسين وآل الحسين (ع)، هي العائلة المكافحة والكادحة في مجتمعٍ الكادُ فيه على عياله كالمتشحط بدمه في سبيل الله، وتلوَّعت مثلنا، ومثل الكثيرين من عذاب ثلوم الأرض والحقول والبيادر وحَبَّ الحصيد، وشتول المرارة من الدخان والتبغ، وهي من العائلات التي انتهجت الدين والولاء والتشيع والعقيدة والسير في نهج المجاهدين والمقاومين حتى نلنا، كما عدشيت نالت وسام شرف من كوكبة شهدائها، الذين أيقظوا أعين الأنجم، وحرَّكوا كسالى النجوم، وهزُّوا جبين فجرنا، وحملوا قرص الشمس ليشرق ربيع الحلم الطالع من وجع الأرض، ومنهم عائلة الشيخ المتواضع الشهيد (بهاء) وهو بهاءٌ ونورٌ يمشي بين يديه، وفي بهائه شمسٌ شاميةٌ من تراب مولاتنا زينب (ع)، وهو قمرٌ من أقمار جبل عامل، ومن ليل رجالٍ لا تلهيهم تجارة أو بيعٌ عن ذكرالله، أيها الشيخ المتواضع، بعثت في ذاكرتي رصاصة رحمة تثقب في قلبي فأعادتني إلى أيام سمانٍ من طفولة مبكرة، فأراه خيط فجرٍ من ثوب صلاة، بين شفعٍ ووترٍ، وبهاؤه أبهى من وجوهنا، وأشرق من شموسنا، وأتذكر حقول الصدى والمدى، الوالد الحنون الشغوف التي حفرت أخاديد الأرض على جبينه ومسح الدموع بورق التعب الحلال، أم الوالدة التي أطفأت شموعها لتشعل وجوهنا وجعلت من دمها زيت قناديلنا، فعلمتنا الحكمة شكلاً ومضموناً ومساراً ومصيراً. شهادة لله وللتاريخ ـ وأنا على يقين أنك لن ترضى أن أكتب عنكم، لكن هذا من باب الوفاء لهذا البيت القريب والجار الحبيب ـ إنه رجل دين وأستاذ حوزوي بحق، يأُمُّنا جميعاً في محراب المسجد، لا تعرفه إلاًّ إمام عدشيت، بلا فرق بين مكونات البلدة، قريب من الكل، خدوم بقدر الإستطاعة بلا تفريق، واعظٌ ومحدِّثٌ بدين الله وشريعة نبيه، وتعاليم أهل البيت (ع)، مثقف مليئ، تحاوره تستأنس بجوابه وإن لم توافقه، عقلٌ واسعٌ، قلبٌ رقيق، والدفء في عروق الكلمات، وأخلاقه تعتمد البساطة في كل ما تأتيه، ويمقت التكلُّف، ودائماً بذلك يُردِّد قول أمير المؤمنين (ع): شرُّ الإخوان من تُكُلِّفَ له، شيخٌ لا يحملُ ضغينة على كل أحد، ولا يعرفُ حقداً حتى على الخصم، هو مؤتمن على مال الله من حقوق وصدقات، ودقيق في صرفها لأنها أمانة الدين، ومصحف القلب لديه ـ الذين يُبلِّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً