حجم الخط تدور في الأوساط السياسية السنية نقاشات حول طبيعة التحوّلات التي تشهدها هذه الساحة في مرحلة تزدحم بالاستحقاقات وتتزايد فيها الهواجس من آثار الفراغ الرئاسي وأثره على تماسك ما تبقّى من المؤسسات الدستورية، ومن تداعياته على الأمن الاجتماعي، حيث تركزت النقاشات حول كيفية الوصول إلى الحدّ المعقول من توحيد الكلف والموقف بين مكوِّنات المجتمع السنّي. ad جاء قرار المجلس الدستوري بقبول الطعن الذي تقدّم به النائب فيصل كرامي وإعادته إلى موقعه النيابي ليتوسِع من دائرة البحث في كيفية التعامل مع هذا التطوّر، خاصة أنّ «الأفندي» يراكم خطاباً مختلفاً عن مساره في خطّ الممانعة منذ فترة ويسعى لتقديم صورة متوازنة لحضوره السياسي، ولعلاقاته المحلية والعربية، وتجلّى ذلك في خطابه الذي يراكمه بشكل خاص عندما استضاف السفير السعودي في لبنان وليد بن عبد الله بخاري في جامعة المدينة بتاريخ 8 تشرين الثاني 2022، عندما أوغل كرامي في التعبير عن مشاعر الارتباط بالسعودية على مستوى مؤسسات الكرامة وعلى مستوى طرابلس، معزِّزاً ذلك بشكر الأمير محمد بن سلمان لشمول طرابلس بمشاريع الصندوق السعودي - الفرنسي. بوصلة كرامي نحو الرياض وضع كرامي بوصلته في اتجاه التركيز على ما تبديه السعودية من حرص على التمسّك باتّفاق الطائف وعلى تأكيد ضرورة تطبيقه خصوصاً ما جاء في البيان السعودي - الفرنسي حول لبنان وحول تطبيق الدستور وتطبيق إتّفاق الطائف وانتخاب رئيس جمهوريّة ضمن المُهل الدستوريّة، وهي كلّها أمورٌ تعكس حرص المملكة على استقرار وسلامة لبنان. ومع تموضع كرامي خارج منظومة الفساد خلال وهو ما سبق للرئيس الراحل عمر كرامي أن مارسه، يشير إلى واقع أنّ «عنوان الانهيار الحاصل في لبنان يُختصر بامتناع وحذر الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات المانحة من التعامل مع منظومة الفساد التي أوصلت بلادنا الى هذا الدرك الأسفل»، معلناً «أنّنا نتطلّع إلى دعم ومساعدة المملكة العربية السعودية في إستعادة نهج الاستقامة في لبنان». زيارة أولى لدار الفتوى: تأكيد على المرجعية الجامعة ad إختار كرامي أن تكون زيارته الأولى بعد عودته إلى مجلس النواب إلى دار الفتوى ولقائه سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ليعلن منها التأكيد على المرجعية الجامعة للدار وصاحبها، «وما يجمع آل كرامي وسماحة المفتي وهذه الدار هو تاريخ من العلاقة، وكانت هناك سلسلة مباحثات وتوافق وتطابق في وجهات النظر بما يتعلق، أولاً، بموقع الطائفة السنية في الحياة السياسية اللبنانية والتي يمثلها سماحة المفتي الذي هو مرجعنا الروحي، وأيضا لما يمثل سماحته على الصعيد الوطني كمرجع وطني». ولفت كرامي الى ان «البحث الأساسي والتطابق بالأفكار كان بما يتعلق باتفاق الطائف ووحدة لبنان واللبنانيين وعروبة لبنان، بما يؤدي الى الاستقرار فيه. وطبعا نقلت لسماحته المعاناة التي تعانيها مدينة طرابلس على كل الأصعدة. وشكرنا سماحته على الموقف الجريء بالدعوة لانتخابات مفتي عن المناطق وخصوصا طرابلس، والتمست منه أنه على مسافة واحدة من كل المرشحين، ومن تختاره الهيئة الناخبة سيتعامل معه، لكن على أن يكون بما يليق بموقع طرابلس وتاريخها». رفض الأوراق البيضاء وعما إذا كان يؤيّد دعوة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لمعالجة القضايا المعيشية، قال: «إذا كانت هذه الدعوة الى معالجة الأمور المعيشية والحياتية، فطبعا نحن معها ومع أي دعوة في مجلس النواب، لكن الأولوية اليوم الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية ولا يمكن أن ننتخب رئيس إلّا بالحوار والتوافق. لذلك فلنضع الأولويات نصب أعيننا ولندع الزكزكات والمهاترات السياسية لأن حياة الناس أبدى وأهم». وفي ما يتعلّق برئاسة الجمهورية كان لافتاً رفض كرامي للأوراق البيضاء، وقال كرامي إن «سليمان فرنجية ليس مرشحا، والدليل لم يظهر إسمه إلا مرة واحدة في ورقة واحدة في مجلس النواب، ونحن نقف مع الحوار والتوافق لأنه لا يمكن إيصال رئيس بدون التوافق. ولسنا مع رئيس تحدّ ولا يستطيع أي فريق إيصال هكذا رئيس». ad كرامي والطريق إلى السراي الكبير: أيّ فرص وأيّ تحديات؟ فتح كلّ هذا المسار النقاش حول ما إذا كان التقدّم الذي يحرزه كرامي تمهيداً للطريق نحو السراي الكبير، بتفاهم محليّ وعربيّ، مع ما في ذلك من مقدِّمات ومن عقبات. تشير المصادر المتابعة لهذا المسار إلى أنّ زيارة السفير السعودي وليد بن عبد الله بخاري لكرامي في طرابلس اعتـُبرت المؤشِّر الأول لتوفير الغطاء العربي لتدرّج كرامي في مرحلة القبول السعودي، وتسوّق المصادر لهذا التوجه بالقول: إنّ فيصل ابن بيت سياسي عروبي ووطني، فجدّه وعمّه وأبوه وهو كانوا في قلب العمل العام، وعندما اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ووُضع دمه في رقبة حكومة عمر كرامي استقال وفاجأ الجميع بذلك القرار، وفي قلب عاصفة انقلاب «حزب الله» في 7 أيار 2008 قال الرئيس كرامي قولته الشهيرة: «إذا خُيّرتُ بين تحالفي (مع الحزب) وبين طائفتي، أختار طائفتي». يرى المتابعون أنّ فيصل كرامي يعتبر أنّ «حزب الله» ليس خصمه، ولكنّه ليس حليفه، وأنّ هذه المعادلة مقبولة عربياً، وعندما تتعارض المصالح بين مصلحة الحزب والمصلحة الوطنية وبين إستعادة علاقاته العربية، فإنّ كرامي سيكون في الخندق الوطني والعربي، ليس في إطار الصراع مع الحزب بل في مقلب تغليب مصلحة لبنان. عودة إلى صدارة المشهد السياسي وتوقعت مصادر متابعة للحراك السياسي في البلد أنّ هناك عودة لكرامي إلى صدارة المشهد السياسي، سيتمّ تظهيرها في الفترة المقبلة، وبدأ ذلك باستقباله في دار الفتوى، متوقعة أن يُقابَلَ توجُّه كرامي في الاتجاه الصحيح بالإيجابية من الأطراف اللبنانية سواء في طرابلس أو على مستوى الوطن، مذكِّرةً بأنّ فيصل عندما تعرّض للتهجّم لم يكن بذيئاً ولا عدوانياً تجاه أبناء منطقته، وهذا ما سيكون عليه الحال في المرحلة المقبلة.هناك من يرى أنّ بإنضاج دخول كرامي المجال العربي وإنشاءه للمسافة الفاصلة الآمنة من «حزب الله» يضعه كمرشح مقبول لرئاسة الحكومة، ليكون هذا عاملاً أساسياً في نقل الخطوة المطلوبة على مستوى ملء الفراغ الدستوري نحو رئاسة الجمهورية وضرورة انتخاب رئيس يعيد الثقة بلبنان عربياً ودولياً. ad كما ترى المصادر نفسها أنّ هناك قضايا محلية يجب أن تتغيّر مواقفُ كرامي تجاهها، ومنها موقفه من القوات اللبنانية، ليكون في إطار مصالحة وطنية، على غرار المصالحة التي قامت بين الوزير الأسبق سليمان فرنجية والقوات، لأنّه لا يمكن لكرامي أن يكون رئيساً للحكومة وهو يخاصم حزباً مسيحياً له هذا الحضور الوازن على المستوى المسيحي واللبناني، خاصة إذا كانت المصالحة تصبّ في إطار تنمية وخدمة الشمال المتميّز بشراكته الوطنية. مواصفات المفتي المنتظر لطرابلس في قضية الإفتاء، ينتظر المعنيون أن يقيم كرامي توازنات عادلة، بحيث يبتعد عن دعم أي ترشيح يشوبه الفساد أو تقف خلفه أطراف سياسية معادية أو كارهة لطرابلس، وأن يكون الجهد منصباً على إيصال القويّ الأمين والقادر على إحداث التغيير المطلوب للنهوض بدار الفتوى ومؤسساتها الدينية والوقفية، وأن لا تكون له تجارب فاشلة في مواقع شغلها أو أن يكون مثيراً للانقسام والحساسيات، بل أن يكون مصدراً للتلاقي والسلام في مدينة العلم والعلماء