ما زلنا نترقب بحذرٍ ونتأمل تلك الحرب الدائرة في غزة بين حماس من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وبالتالي يقودنا هذا الترقب والتأمل بأن نتخيَّل صراعاً يجري بين ديناصور ونحلة، فالديناصور كما يصفونه بحسب التصور التاريخي بأنه يبلغ حجمه ناطحة سحاب، وهو مغترٌّ بحجمه ومغرور بعضلاته وقوته الهائلة، ويقولون أيضاً بأن حجم مخه أقل من واحد على مليون من جسده، يسير في الأرض يزلزلها ويحطِّم كل من يقف أمامه بلا هوادة ولا رحمة أو شفقة، ولكنه لا يرى ما تحته وما تحت قدميه. وأما النحلة فهي موصوفة من قولهم ووصفهم لها بأنها ذكية ورشيقة وتملك قرون استشعار تعرف الأرض وطبيعتها والهواء والماء والعشب والأزهار وما ينفعها وما يضرها، أي أنها تفهم ميدان الصراع والمعارك فهما جيداً، وتدرك كثيراً قوة الديناصور لكي لا يضحك عليها عقل (العُضَّيض) وتعلم أيضاً كيف يمكنها أن تستغل قوته ليؤذي نفسه ليقع في التخبط العشوائي، فينشب الصراع بينهما، تستغل النحلة هذا التخبط فتقوم بلسعه في أذنه فيثور كالثور الهائج وينطلق مسرعاً ليحطم كل شيء أمامه ظناً منه بأن ينقض عليها بمخالبه، لكنها أسرع منه فتزوغ عنه ثم تلدغه في عينه فتصيبه بالعمى فيضرب بكل عشوائية هنا وهناك وهنالك، ولا يعثر عليها، ثم تنقض على أذنه الثانية فتجذبه في هيجانه، وهكذا تصعد النحلة الشقية الذكية من بين الغبار والركام والدخان. مقاييس الحرب في هذا القرن يجعل محور المقاومة في الشرق الأوسط هو النحلة الذكية، وإسرائيل المدعومة من الفيل الأزرق الأمريكي لهي أشبه بهذا الديناصور الهائج إلى حد الجنون، وإذا بقيت أمريكا تتعامل في منطقة الشرق الأوسط بهذه العضلات ومع شعوب العالم فسيكون مصيرها كالديناصور الأعمى. باختصار فالنحلة التي تعرف تاريخها وأرضها وثقافتها ودينها المقدَّس وطقوسها التي هي جزء من حياتها وعيشها التي تستمر من خلالها وتمارسها في كل يوم وفي كل مناسبة في المسجد والحسينية والشارع والمعبد والمجلس والمكان والزمان، فهل يمكن لأي قوة ديناصورية أو فيليَّة أزرقية أمريكية كانت أم بريطانية أم غربية أوروبية أن تقضي عليها بكل سهولة وبساطة، فمهما استخدمت كل صواريخها وطائراتها وبوارجها وكل عضلاتها وقوتها أن تقضي وتطارد تاريخاً يحمل ديناً وثقافة ويملك أرضاً ومقدَّسات وأحراراً ومقاومين يدركون تماماً عقيدتهم وثقافتهم؟ فالنحلة الدينية في الشرق الأوسط تفرض على الديناصور الأمريكي حرباً مجهولة في المستنقع الشرقي الذي لربما يفرض خارطة جديدة في المنطقة. الشيخ عباس حايك