تجد من الصعوبة، أن تختزل الحديث والكلام عن عالمٍ من علماء جبل عامل، بأوراقٍ محدودة، ويراعة تجف محبرتها ودواتها، قبل أن تكتمل الكتابة، عن علماء وفقهاء ومجاهدين بذلوا حياتهم وجهادهم ومدادهم ودمائهم في سبيل الله والإنسان والأرض وحب الوطن، وحملوا معهم، وفيهم، قصة الضمير وقيم الأخلاق السامية العالية، لتهون عليهم الدنيا والحياة والمال والسلطة والسلطان، فلا يخشون في الله تعالى لومةَ لآئم، هم شرفاء النفوس، فلا يداهنون ولا يجاملون، ولا يتركون لعقيدتهم الدينية، ولا لمرجعيتهم الشريفة، مجالاً للعبث بجوهر التاريخ ولا بحقائقه. تلك المرجعيات الدينية والعلمية والمجاهدة على مرَّ الزمن بطوله وعرضه، كمرجعية النجف الأشرف التي غسلت غبار الليالي السود عن سعف نخل العراق وعار المتآمرين المجلودين بسوط المحتل الأجنبي... ومن ضوء تلك المرجعية النجفية، أنارت مدينة النبطية في الجنوب، وفي جبل عامل، خِلْعةُ شيخها وإمامها وعمامتها وجُبَّتها، ولباسها النزيه بشيخها عبدالحسين صادق، الطالع من حنجرة الحسين الشهيد (ع) الذي روى عطش النهر، لنبصر معهم صراط الأولياء والرسل والشهداء، لنقتدي بهم وبهديهم، ونمشي خلفهم لننجوَ من حُفر النيران... وكلما اقتربت من تلك العظمة المتواضعة، ترى عذوبة اللسان، وشمس التُقوى، وتواضع المؤمن، وطهارة القلب، وصفاء النية والعقل والذهن في نصائحه، ووضوح في أهدافه ومراميه، وجمال السمت والذوق تراهما في جمال إرشاداته ونصائحه. وشهادة لله وللتاريخ، أنه وسع أدباً وعلماً وأخلاقاً، فكان نموذجاً للعفة والنزاهة في المأكل والملبس والمسكن، فلا بوَّاب ولا حُجَّاب، ولا سيارة فخمة، وبناية ضخمة، ومثلاً رائعاً في السلوك لمدرسة أهل البيت (ع)، في سبيل الخير الإنساني العام. تلك هي العظمة المتواضعة، والمرجعية الرشيدة الراشدة، التي تعتلج ذرات الأرض في سبيل نضرتها واخضراها ونمائها، وتطرد زؤان النمل التي تطؤها الأقدام، وتدوسها حوافر الهوام. تلك هي عمامة الشيخ الصادق، التي تمثِّل المرجعية النجفية، وانتسبت إلى حقيقة الدين وجوهره لا إلى اسمه ومظهره، هي تلك الخِلْعة التي تجرَّدت عن ذاتها وغايتها، فكان عالماً فقيهاً كفؤاً لهذه المسؤولية، والتي حملها مجاهداً في سبيل العلم والخير ومدافعاً ما يراه حقاً دفاع مَنْ لا يبغي حطاماً. تلك هي السُبُل التي انتهجتها المرجعية على حب الخير والصالح العام، والعِمَّة الصادقة والواضحة التي يصل منها الإنسان إلى العظمة المطلقة التي تتخطَّى الحدود والأمصار.... الشيخ عباس حايك