المثل الشائع يقول: اسأل مُجرّب ولا تسأل حكيم، ليتّضح فيما بعد أنّه مُحرّف، والصحيح هو: اسأل مجرب واسأل حكيم، وفي غمار السياسة اللبنانية ومعارجها الشائكة، من هو يا ترى أكثر تجربةً وأعمق حكمةً من "الحكيم" سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، في معرفة خبايا التيار الوطني الحر وأحابيله وألاعيبه، منذ عهد رئيسه السابق ميشال عون، وعلى يدي خلفه جبران باسيل اليوم، فالحكيم جعجع اختبر باكراً فضائل الجنرال ميشال عون مع القوات اللبنانية منذ فجر حرب الإلغاء التي شنّها عون على المنطقة الشرقية من بيروت أوائل تسعينيات القرن الماضي، وكانت المعقل الحصين للقوات اللبنانية يومها، ما علينا، فذلك تاريخٌ ومضى، اليوم وفي ظل احتدام معركة سدّ الفراغ الرئاسي لأكثر من ستة عشر شهراً، يواصل الدكتور سمير جعجع مع حليفه حزب الكتائب ممانعة وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة الأولى، ويراهن جعجع على معارضة جبران باسيل الراسخة لانتخاب فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية، وفي حين يُضمر باسيل العداء المحكم لفرنجية وجعجع معاً، إذ يُراهن دائماً على رفع حظوظ وصوله شخصياً إلى سدّة الرئاسة الأولى، أو وصول من يكون طوع أمره وبنانه، لذا سبق لباسيل أن "تقاطع" مع معارضي فرنجية على انتخاب المرشح جهاد أزعور، مع علم باسيل المسبق بفشل التجربة، واعتبرها من قبيل ذرّ الرماد في العيون.
اليوم طالعَنا الحكيم جعجع في لقاءٍ تلفزيوني مع الإعلامي وليد عبود، بتأكيده أنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يلعب على التناقضات، حتى يرفع سعره لدى حزب الله، حتى إذا ما قبل الحزب بالتفاهم مع باسيل على رئيسٍ ما للجمهورية، غير سليمان فرنجية، فسيجلس معه، لذا يضيف جعجع: من المرجح أن تكون لقاءات بكركي طبخة بحص، والأهم أنّنا بتنا نعرفه جيداً، أي لجبران باسيل، ونعرف كيفية التعاطي معه.
حسناً، أو حسناً جداً يا حكيم، لماذا لا تبادرون مع حلفائكم إلى ملء الفراغ الرئاسي، الذي طال أمده، وتفاقمت مضارُّه وازدادت عواقبه الوخيمة، لماذا لا تبادرون إلى انتخاب سليمان فرنجية؟ الذي لا تحيد عنه الثنائية الشيعية بقُطبيها الفاعلين: حركة أمل وحزب الله، علّ ذلك ينهي أو يُخفّف من وطأة خلو سدّة الرئاسة الأولى، ويساهم في انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وانتظام عمل المؤسسات الإدارية والأمنية والقضائية، هذا في المقام الأول، وثانياً وهو بمقام أهمية الأول، ينهي أحلام جبران باسيل في اعتلاء سدّة الرئاسة الأولى نهائياً،  والتّفرغ بعد ذلك لمقارعة ما ترونه خطراً داهماً، وهو "الإحتلال الإيراني" والقضاء عليه، ذلك أنّ أولى موجبات التصدي لمخاطر هذا الإحتلال الواقع على الأرض اللبنانية، هو قطع دابر مناورات جبران باسيل مع حزب الله، ولَعمري، لن يكون لانتخاب فرنجية للرئاسة الأولى، عواقب خطيرة ووخيمة كتلك التي وقعت على لبنان إبان العهد العوني، ذلك العهد الذي ذهبتم إليه بملء ارادتكم، ورغم معرفتكم بمخاطر اتفاق مار مخايل عام ٢٠٠٦، واختباركم إياه في غزوة بيروت عام ٢٠٠٧، وإسقاط حكومة سعد الحريري عام ٢٠١١، وفرض وصول الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى عام ٢٠١٦.
أيها اللبنانيون، أيها المسيحيون  ملء الشغور الرئاسي واجب وطني، ومقارعة الإحتلال الإيراني شأنٌ آخر، ولا ينبغي الخلط بينهما.