أما حان الوقت وعلماء ومراجع الشيعة ـ وخصوصا في العراق ـ لما نشاهده عبر القنوات ـ لإعلان إصلاح المنبر الحسيني العظيم إجلالاً وإكراماً لهذه المدرسة العظيمة والخالدة عبر الأزمان؟
 

إن كل المصلحين من كبار علماء الشيعة الإثني عشرية الذين عملوا على إصلاح المنبر العاشورائي،وعمدوا إلى تشذيب الطقوس التي تمارس في معظم البلدان والأماكن التي تقام فيها الإحياءات، هم في واقع الأمر لا يدعون إلى إلغاء هذه المجالس ولا إلى إلغاء عاشوراء، مثلما يصفهم المتشددون من أترابهم، والبعض يتهمهم بالمؤامرة للقضاء على الدين والتشيع، وهم في الأغلبية من أصحاب التجارات والمصالح التي يجنونها من خلال ممارسة بعض الطقوس التي ربما قد تجلب ما يسيئ لمكانة الإمام الحسين (ع) ومكانة عاشوراء وكل شهداء كربلاء... 

إن هؤلاء العلماء من المصلحين حاولوا تنزيه عاشوراء من الفوضى وبعض الممارسات والعادات التي جاءت ودخلت في ثقافتنا كالعادات الهندية على حد تعبير إمامنا الغائب السيد موسى الصدر، وإغراقها بالخرافات وجلد البدن وضربه بسلاسل حديدية، كل ذلك يظهر كأن عاشوراء في حالة إنكسار بدلاً من إظهارها بالعزة والعنفوان كما فعل أبو عبدالله الحسين (ع) وأصحابه المخلصين والشهداء المكرمين من هذه السلالة الكريمة.. 

ينسب صاحب كتاب (قصص العلماء) لصاحبه "الميرزا التنكباني ـ 1230ه ـ 1320ه ـ هو رجل دين وفقيه ومؤرخ شيعي إيراني" تقريباً من رجال القرن (13) الهجري،يقول:"التمثيل من مخترعات الصفوية، ولما ظهر مذهب التشيع في إيران وحكم الصفويين، أمروا الذاكرين بإنشاء مصيبة سيد الشهداء (ع)، لكن الناس لم تكن تبكي، لأن المذهب لم يترسخ بعد في نفوسهم فاخترعوا التمثيل لعل الناس تتألم..وسمي هذا العمل بالتعبئة، وهي بمعنى الإختراع أيضاً، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقة بالإتفاق، والعلماء مختلفون في جوازه، والأكثر على التحريم، ومن جملة القائلين بالحرمة قطب الفقهاء والجلالة والنباهة والفطانة والذكاوة الشيخ جعفر النجفي. ـ المقصود هو الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء (ت 1812) وكان الشهيد الثالث الملا محمد تقي البرغاني القزويني (القرن 13 الهجري) يمنع حادثة كربلاء في مصيبة سيد الشهداء (ع)، وكان يمنع من الغناء في المراثي، وإنشاد مصائب الأئمة. (قصص العلماء التنكباني).. وأما من المراجع المصلحين المعاصرين فكان أبرزهم المجتهد الكبير السيد محسن الأمين (1952) الذي أثبت في رسالته "التنزيه" التي صدرت مطبوعة (1928) ومما جاء فيها: "لعل إمساك النكير من علماء الشيعة عن هذه الفئة، التي شعار حزنها على الإمام الشهيد بتبضيع رؤوسها وإهراق دمائها، أما أنهم يرون أعمالها مستحبة تعظيماً لشعائر الدين.. لم تكن معروفة في جبل عامل، ولا نُقل أن أحداً فعلها فيه، وإنما أحدثها فيه في هذا العصر بعض عوام الغرباء، وساعد على ترويجها بعض من يرتزق بها، ولم يُنقل عن أحد من جبل عامل أنه أذن فيها أو أمر بها في عصر من الأعصار، حتى في الأعصار التي كان جبل عامل يتمتع فيها بحريته التامة في عهد أمرائه من الشيعة.." (التنزيه لأعمال الشبيه ص 30)..ومن أبرزهم أيضاً الفقيه محمد جواد مغنية في كتابه (الشيعة في الميزان ـ ص 13 ـ 14 ـ يقول: لا يصح الإعتماد على العادات والتقاليد المتبعة عند العوام، لأن الكثير منها لا يقره الدين الذي ينتمون إليه، حتى ولو أيدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدين، وأوضح مثال على ذلك ما يفعله بعض عوام الشيعة في بعض مدن العراق، وإيران وفي بلدة النبطية في جنوب لبنان من لبس الأكفان، وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم، فإن هذه البدعة المشينة حدثت في عصرٍ متأخر عن عصر الأئمة، وعصر كبار العلماء من الشيعة، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير، وأيدها شيوخ السوء، لغاية الربح والتجارة... وسكت عنها من سكت خوف الإهانة والضرر أو فوات المنفعة والمصلحة، ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء، وفي طليعتهم المرجع السيد محسن الأمين العاملي..)  

ولهذا أما حان الوقت وعلماء ومراجع الشيعة ـ وخصوصا في العراق ـ لما نشاهده عبر القنوات ـ لإعلان إصلاح المنبر الحسيني العظيم إجلالاً وإكراماً لهذه المدرسة العظيمة والخالدة عبر الأزمان، وإحتراماً وتعظيماً لعظمة مولانا الحسين الشهيد (ع) وكل شهداء كربلاء الحسين (ع)، أليست هذه التضحيات وهذه المبادئ التي تعلمنا دروساً في الحياة هي أجل وأكرم وأعظم من تحزب وشعارات وانتخابات... أم أن الناس على دين أمرائها وملوكها....