لا تلمني يا صديقي، ما أنا إلاَّ كدرويش من دراويش حلقات الذكر، أصحو وأنام على ذكر الله وأسبِّحه كثيراً وأدعو لعشرات، بل لمئات المؤمنين ممن ذكرتُهم، وسأذكرهم بين الفجر والوتر، ليأتي الصباح وتمسح الشمس كل الأسماء، أتدري يا صديقي لماذا؟ لربما تدري أنت، وأنا لم أدري بعد.. 
 لا تلمني.. عندما تصبح الحياة والأرض وعرة، كثيرة الحفر، ويعجز المرء عن إيجاد مخرج ومعبر يحميه من العرج والسقوط، فلا مأمن له من ذلك سوى الخوف وملاذاً آمناً سوى الصمت، أسلوبنا أصبح مدرسة خوفٍ في ثقافتنا وعبادتنا وفي تقاليدنا التي تربينا عليها، بل وفي ثوابتنا التي قدسنا سرَّها. بماذا أحدِّثك يا صديقي، عن أكلنا وشربنا الذي تربينا عليهما، أم عن خصوصياتنا؟. لكن يا صديقي أليس الخوف هو يكمل الإيمان؟ وهل يكتمل الإيمان بدون الخوف؟ أليست التقية ديني ودين الأباء والأجداد والسلف والخلف؟ نتقي السارقين، والمارقين، والمرتزقة، والحاسدين، نتقي فروسية الشوارع، نتقي أزلام السلطات، وأصحاب طرابيش النفوذ، نتقي الحاكم والزعيم والخليفة والرئيس والقائد، لأنه من مات ولم يعرفهم مات ميتةً جاهلية!.
ألم تعلم يا صديقي كل ذلك ـ وأنت على علم ـ  حتى لا تخرج عن إجماع الأمة؟ لأن خروجك عن ذلك يعرِّضك للعقوبة؟. تاريخ الخوف يا صديقي طويل جداً، خطَّ بأحرف، ونُقِّط بحروف السيف، وأنت تعلم أن العالم يتغيَّر، حتى الصخر والحجر والصدأ يتغيَّر بفعل عوامل الزمن، حتى اللغة تتبدَّل وتتطوَّر، وحتى العلوم والنظريات والمعارف تتغيَّر وتتبدَّل، حتى اطمئنانك برواية أو بخبر تاريخي وأنت على يقين بأنها رواية ظنيَّة، تبني عليها علوم الكون، هل تبنيك لهذا يجعلك عالماً بالنجوم والأفلاك، مع أنك لم تقدِّم ولو نظرية علمية تفيد الحياة والبشرية، لولا علماء جعلوا قيمة للحياة تستفيد منها البشرية كآينشتاين مثلاً، لبقينا سوياً نصعد حماراً لنصل إلى مأذنة، أم أنَّ لكل لعبة قواعدها يا صديقي؟. تذكرت الجاحظ عندما أعجب بامرأة جميلة بقوامٍ طويلة، وهو بعكسها تماماً قصير القوام، فمرَّت أمامه، فناداه هلاَّ نزلت إلينا؟ أجابته قائلة له: هلاَّ ارتفعت إلينا لترى العالم والكون؟!.
صحيح أننا معكم ـ يا صديقي ـ  نتلوَّن كالحرباء من باب ـ التقية ـ لكننا وإياكم على الخُطى ثابتون وراكدون كجلمود صخر، لأنَّ المستنقعات تعج بالأوبئة، والجراثيم ابتعلت كل شيء حتى حبة البركة..
 يا صديقي حظي عاثرٌ وليس حظِّك الذي تبحث فيه عن زينة الدنيا ومتاعها طمعاً بالآخرة، وأنا متعثَّر مثل خطاي المتعثِّرة في طريق الرغيف، الذنب في ذلك أنني فتحتُ دكاناً للعقل، لكن بضاعته كاسدة فلا زبائن ولا زبائنيون.
  تعالَ يا صديقي لأريك شيئاً من نفسي ومن ذاتي المريضة على فراش الجسد، ولتمسك العظام التي تحمل كفر الفقر إلى المعابد والكنائس لتصلي يا صديقي صلاة الشكر، وتطأطئ الرأس طيفة وخشية، وإلاَّ قطعه سيف السلطان، ومشيت يا صديقي بلا رأس وأصبحت فزَّاعة لعصافير الشوك...
الشيخ عباس حايك