نحن أمام ظاهرة مرضية لا يمكن التعاطي معها بطريقة سطحية أو تسخيفية لأنها ستقوي من شأنها في الوسط الصنمي
 

مُذ وجد الإنسان وهو يبحث عن شيء يرضي ما فيه من ضياع وما عنده من خوف ليأمن شرور الحياة والطبيعة التي حاصرته من كل الجهات وهو أعزل لا يملك شيئًا حتى عقله ليس له فما زال في طور الإستخدام والإستعمال نتيجة الإحتكاك بعناصر الطبيعة .
قديماً مال الإنسان لعبادة ظواهر طبيعية ومن ثمّ استحسن إستخدام وسطاء بينه وبين من يعبد ويسجد لهم من كواكب و آلهة وعلى مرّ العصور شهدت المجتمعات البشرية نمواً متصاعداً نحو عبادة أي شيء يثير في البشر الغرابة والدهشة ومع بلوغ البشر لمرحلة النبوة بدأت رحلة الأنبياء صعبة في بداية الدعوة لتحسين شروط العبادة على قاعدة التوحيد لا التعدد الذي هلك الإنسان ودفع به إلى الإشراك واتخاذ آلهة من صنع يديه .
سيطرت الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام على التجربة البشرية كأديان سماوية لا بشرية وقد حفر فيها عن خبث أو عن إرادة مرتبطة بذهنية" العجل " خبثاء أرادوا ربط المفهوم السماوي بالمفهوم الأرضي لجعل الله من البشر وهنا كانت هذه المسألة أوضح عند " العُزيريّن " وعند " المُثلثين " في حين حافظ المسلمون على الوحدانية نظرياً وخرقوها عملياً عندما ذهبت المذاهب باتجاه التأليه لبشر ولدوا من رحم النساء .
أسهمت درجة الوعي في العقل البشري إلى فلترة الأفكار التعبدية فابتعدت عن العبادات المُزرية التي انكفأت إلى داخل جدران المعابد لتعيش وسط الناس كوسيط روحي بعد أن كانت وسيطاً روحياً ومادياً يملك إرادة الخالق في مشيئة الخلق كما هو حال الكنيسة التي أفرغتها الصحوة الغربية من محمولاتها المُقدسة وتركتها مساحة ضوء للشموع ومكاناً لانتشار بخور المذابح وصدى يرّج في صفوف المصلين وليس أكثر من ذلك أي أنها فصلتها عن الدنيا وتركتها عبرة لمن يريد وضع المقدس المعطل للحياة جانباً وبناء الدنيا باعتبارها ممراً إلزامياً لآخرة لا يمكن أن تكون بعيدة عما بناه الله من خلال خلقه  .

إقرا أيضا: الموارنة من كميل شمعون لجبران باسيل

حرّم الإسلام الأصنام وكسّرها بعصا النبي الذي رفض محاولات الصنميين المتكررة لعودة عبادتهم من جديد وبروزها مع الدعوة النبوية من خلال التعاطي مع النبي الأكرم كما كانوا يتعاطون مع آلهة قريش بالتقديس والعبودية والربوبية فنهاهم ونهرهم وقال لهم ما أنا إلاّ بشر مثلكم كانت أمي تأكل القديد وتمشي في الأسواق وهكذا فعل علي عليه السلام عندما أحرق من غالى فيه وجعله رباً أي صنماً يرتجيه عند الحاجة. 
لم يكمل المسلمون رسالة النبيّ وعلي عليهما السلام فقدّسوا بشراً من صنع النزاع الذي حصل على السلطة بعد وفاة النبي وهكذا دخل المسلمون مجدداً في التقديس القريب من تقديس الأصنام تحت نفس المبرر باعتبارهم وسطاء وشفعاء عند الله مع بذل المزيد من اللغو الكلامي لإعطاء صُبغة شرعية لما عبد المسلمون من أصنام من لحم ودم لا من نحت إزميل على صخر الجاهلية الأولى .
في المقابل حملت الأفكار الغير دينية بذرة العبادة للفرد التاريخي وخاصة مع الثورة البلشفية التي مجدت الثائر أكثر من الثورة وبات المنجز التاريخي إرث فردي محتكر لصالح القائد الفذ فكان لينين ومن ثم ستالين وماو وكيم إيل سونغ وكاسترو وتيتو  رموز متعالية حتى على المنجزات التاريخية ومن هنا تحوّلت الثورة ومن ثم الدولة إلى بضاعة خاصة بهم دون غيرهم كونهم مقدسون لا يُمس بهم فهم مختارون وبمصاف الألوهية التامة والغير ناقصة . وهكذا كرر العرب والمسلمون هذه النزعة الجديدة الوافدة من الإشتراكية الثورية فكان جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد و آخرون تطول أسماؤهم في لائحة معبودي الجماهير ممن إصطفاهم الشعراء وبلابل اللغة العربية كيّ يكون أرباباً من دون الله .

إقرا أيضا: العبادي زار مكّة وحجّ طهران

نحن أمام ظاهرة مرضية لا يمكن التعاطي معها بطريقة سطحية أو تسخيفية لأنها ستقوي من شأنها في الوسط الصنمي كونها إمتداداً تاريخياً وليست مجرد حالة عابرة فرضتها دوافع الإنفعال الشخصي في لحظة متوترة جعلت عقولاً هندية علمية متقدمة في المجال التقني تهوى البقر والجرذان وتستمتع بتقديسهما وما رؤية الحذاء ملكوتاً إلاّ دعوة ستنتشر كالنار في الهشيم إذا ما سخفناها ولم نعالجها كمرض نفسي وإجتماعي يحتاج إلى علاج ضروري وإلى معالجة نقدية بروية حتى لا تصبح ديانة رائجة .