أخي القارئ لا تتهمني قبل أن تقرأ جيدة هذه الفكرة التي هي سائدة في عالمنا الإسلامي، وفي ثقافتنا وموروثنا الديني والفقهي
 

    
هناك مبدأ لطالما يدعو إليه رجال الدين بشكلٍ عام، بحيث يقولون للناس في خطاباتهم ومن على منابرهم وفي كل سهرةٍ وجلسةٍ حتى في صفحاتهم الفيسبوكية : " تآخوا واتحدوا واتركوا الخلاف والنزاع بينكم" وما هذه المواقع  الخارجة عن سربكم وخطكم والأقلام التي تنتقدكم ما هي إلا أقلاماً مأجورة وحتى بعضها عميلة للخارج، تريد أن تفرق وحدتكم وكلمتكم عن جادة الصراط.

إقرأ أيضا : بالصورة :الحزب الشيوعي تأسلم أخيرا على طريقة حزب الله !
وفي واقع الحال هذا مبدأ يمكن تسميته بالمبدأ الفوقاني السلطاني، الذي يُرضي أولياء نعمهم ونعمتهم من المترفين الذين يتلذذون بنعم الله التي لا تُحصى، ويريدون منها مزيداً على حساب الفقراء والعاملين والكادحين من رعاياهم، وفي الوقت نراهم يغفرون ـ أي هؤلاء من رجال الدين ـ للسلاطين وطلاب السلطة حين يرونهم يتنافسون على المراكز والوظائف حتى في أبسط وظيفة، ويتكالبون ويتنازعون ويتقاسمون نصيبهم وحصصهم على حساب الآخرين، ويغفرون لهم كل ذلك وفي الوقت عينه لا يغفرون لعامة الناس أن يطالبوا أو يعترضوا أو يكتبوا ويحتجوا، مبررين ذلك بأنَّ غيرهم يريد أن يوقع البغضاء والفتنة ـ فعلاً معيار مزدوج في الشخصية ـ وهناك قاعدة أخرى تقول: "درء المفسدة أولى من جلب المصلحة" بحيث يكون الإعتراض على الظلمة والمفسدين قد يوقعنا إلى تفرق الكلمة وجلب المفسدة التي تركها أولى من الوعظ، متناسين هؤلاء أنَّ جميع السلاطين وطلاب الرياسة والوظيفة الذين يدعون للأسف إلى طاعتهم قد وصلوا إلى مراكزهم وسلطانهم عبر تفريق الكلمة وتحريك الفتنة، وفي التاريخ نلاحظ سلاطين بنو أمية ورثوا الحكم عن معاوية الذي شق عصا الطاعة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفرَّق وحدة المسلمين، وأيضاً سلاطين بني العباس ورثوها عن السفاح ، وهكذا ما جرى في زمن الفاطميين والعثمانيين وغيرهم وغيرهم، ولهذا لم نر في تاريخ المسلمين أي حاكم أو سلطان جاء عبر توحيد الكلمة أو حتى العمل بمبدأ الشورى أو الديمقراطية.

إقرأ أيضا : حزب الله مستمر في تبرير صفقته مع داعش... القوافل كانت تحمل عناصر من الحزب
ثم يجمعون على مبدأ آخر هو أن النهي عن المنكر واجب مع المقدرة والقدرة عليه، وأما إذا أدَّى إلى وقوع الضرر ـ طبعاً بالشروط المذكورة فقهياً ـ فيكون النهي عن المنكر محظورٌ ومنهيٌ عنه، وفي الوقت عينه يقولون بوجوب الجهاد في سبيل الله، من دون أن يلاحظوا أي ضرر قد يحدث، وقد يكون مغتفراً ما دام ذلك بجانب الحاكم ضد أعداء الدين وضد أعدائه، بينما الضرر الذي يجنيه المسلم من محاربة السلطان أو الحاكم ـ الظالم ـ أو المطالبة بحقوقه المسلوبة والمنتزعة من قلبه يعتبر في نظر هؤلاء تهلكة ينهى الله عنها .

إقرأ أيضا : القصة الحقيقية لقانون سلسلة الرتب والرواتب وانهيار الليرة اللبنانية
أخي القارئ لا تتهمني قبل أن تقرأ جيدة هذه الفكرة التي هي سائدة في عالمنا الإسلامي، وفي ثقافتنا وموروثنا الديني والفقهي ولا أعني فرقة خاصة، بل أحببت أن نناقشها من حيث تأصيلها الديني والفقهي. من هنا لا تتسرع على الآخر المخالف لك بالفكر أو الرأي أنه يثير البلبلة بقدر ما يريد أن يسلط الضوء على عقلنة الفكرة والرأي.
وقد يكون هذا في نظرهم أمر بسيط لا أهمية له والله ولي التوفيق.