تعرّض الدكتور عبد المنعم يوسف لسلسلة طويلة من الحملات والهجمات منذ أيام حكم القوي ومحارب الفساد آميل لحود وصولاً إلى عهد الرئيس القوي ميشال عون
 
أعدادٌ متتابعة من القضايا والدعاوى والمواد الإعلامية التي كانت كفيلة بإتعاب أقرب الناس إلى عبد المنعم ، نظراً لإستمرارها وكثافتها وثقل الواقفين وراءها وقوة نفوذهم.
ومع مجيء الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة ، كان قد إتخذ قراره بإقصاء يوسف ، تاركاً للتشهير أن يتمادى ، وللتشويه ان ينال من صورته أمام اللبنانيين ، ليحصل على مبررٍ لهذا الإقصاء.
 
 
في المقابل، وبصمت ودون أي ضجيج أو إثارة إعلامية ، كان الرئيس نجيب ميقاتي قد إتخذ خطوة جريئة وغير مسبوقة ، ولم تُعرف إلا لاحقاً ، تمثـّلت في تقديم شهادته أمام القضاء في القضايا المرفوعة ضد عبد المنعم يوسف.
 
 
حضر الرئيس ميقاتي لدى قضاة التحقيق في قصر العدل في بيروت موجهاً رسالة هامة خماسية اﻷبعاد: 
 
ــ الرسالة الأولى: أن ميقاتي هو أول رئيس حكومة في لبنان ينحني أمام طلب القاضي ويحضر شخصياً إلى قصر العدل والى دائرة قاضي التحقيق دون أي حرج ، ودون إعتبار للبروتوكلات والشكليات ، ليدلي بإفادته عن أمور حصلت أثناء وﻻيته في حين أن الوزير العوني نقولا الصحناوي تمنع ثلاث مرات عن الحضور.
 
 
ــ الرسالة الثانية: هي رسالة ثقة ودعم معنوية لقاضي التحقيق الرئيس فادي عنيسي وتأكيد سلطته العليا في التحقيقات وترسيخ هيبته أمام السلطة السياسية ، في حين دلّ تغيُّب الصحناوي على إزدرائه للقضاء وعلى فساد إدعاءاته التي أطلقها في وجه يوسف.
 
ــ الرسالة الثالثة: رسالة إلى القضاء بأن يكون صلباً وحازماً ، وعندها يثبت إستقلاليته ومصداقيته وهيبته حتى على السياسيين. 
 
 
ــ الرسالة  الرابعة: رسالة واضحة من رئيس الحكومة للموظفين في الإدارة العامة أنه ﻻ يتخلى عنهم أمام القضاء بل يسير معهم ويعطي إفادته ﻹظهار حقهم والدفاع عنهم بالحق ، ولا يسمح للضغوط والحملات أن تغيـّب الحقائق الثابتة التي يجب صيانتها بالقانون وبحفظ الحقوق المادية والمعنوية.
 
 
ــ الرسالة الخامسة: رسالة واضحة وصريحة للمدراء العامين من الطائفة السنية أن الرئيس ميقاتي ﻻ يتركهم وحدهم أمام إعتباطية اﻹدعاء وفجور اﻹتهامات السياسية الظالمة.
 
 
 
 
المضمون والأبعاد
 
أما بما يعود لمضمون الشهادة فقد أكد الرئيس ميقاتي أن ما يقال ضد عبد المنعم يوسف هو افتراءات ذات طابع سياسي كيدي حاقد وظالم، وأنه شخصيا شاهد على أنه (عبد المنعم) كان دوماً شديد الحرص على المال العام والحفاظ عليه. وهو شاهد على ذلك في ملفات عديدة ، وكانت تصله مراراً شكاوى بشأنه من أصحاب المنافع لشدة صلابته في الحرص على المال العام وإرادة تطبيق القانون على الجميع.
وأوضح الرئيس ميقاتي في شهادته بخصوص ملف تأجير السعات الدولية لشركتَي الخلوي  بأن يوسف كان قد فعل كل ما يمكنه فعلُهُ لوقف الهدر ،  غير أن الوزير نقولا صحناوي كان مصراً على محاباة الشركات الخاصة ومسايرتها وتأمين مصالحها على حساب المال العام مما استدعى تدخلاً مباشراً من قبل الرئيس ميقاتي لوضع حدٍ لممارسات الصحناوي.
 
 
ومن الغرائب في هذا الملف أن المدعي العام المالي علي ابراهيم لم يستمع ﻹفادة الرئيس ميقاتي ولم يـُرد سماعها أصلاً ، بالرغم من أن عبد المنعم يوسف اقترح عليه خطياً سماعها بغية إظهار الحق.
لم يكتفِ الرئيس ميقاتي بالإدلاء بشهادته أمام القضاء ، بل إنه تحرك سياسياً لتوسيع دائرة التوضيحات بشأن الإفتراءات التي تعرّض لها يوسف ، فقصد عين التينة ، وأطلع الرئيس بري على تفاصيل ودقائق الملفات التي تمت أثناء وﻻيته وأخبره عن صلابة عبد المنعم في إحترام تنفيذ القوانين ومدى نزاهته وحرصه وحفاظه على المال العام وأن هذا الثبات على الشفافية لم يترك لهذا الرجل صديقاً في وسط سياسي ومالي يضجّ بالفساد.
 
 
مقاربة منصفة:
 
 
لم يكن عبد المنعم يوسف محسوباً على نجيب ميقاتي ، ولم يطمح الأخير لجذب يوسف إليه سياسياً ، لكنه المبدأ العام الذي إعتمده الرئيس ميقاتي في الحفاظ على الوجود السني في الدولة ، بغضّ الظر عن الإنماء أو التوجه السياسي.
 
هنا يبرز سؤال في وجه المروّجين لنظرية أن الرئيس الحريري يحمي البلد عبر دخوله الجريء في التسوية مع "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" مغزى السؤال ، أنه إذا كان التنازل في عدد الوزارات قابلاً للنقاش ، وإذا كان إنتخاب الرئيس عون قابلاً للتفسير ، وإذا كان التساهل في بعض المواقف مسألة تخضع للأخذ والرد ، لكن هل من مستلزمات التسوية ، إذا كان يمكن إعتبارها تسوية ، أن يتم التنازل عن المواقع الإدارية وإخلاء المؤسسات بشكل كامل أو شبه كامل لصالح "الحلفاء" المفترضين الجدد؟!
 
 
 
 
لقد جاء الرئيس ميقاتي إلى رئاسة الوزراء في ظل إتهامات بأنه رئيس حكومة "حزب الله" ، ورغم أن الحزب كان ولا يزال المتحكم في الوضع الإستراتيجي في البلد ، إلا أن ميقاتي بقي حتى لحظة إستقالته رافضاً المسّ بالمواقع السنية في الدولة رغم حملات الإستهداف للشهيد وسام الحسن وللواء ريفي ولعبد المنعم يوسف ولغيرهم من الرموز في الإدارة العامة.
لم يجعل ميقاتي لـ"حزب الله" قناة حوار رسمية معلنة سمحت بتشريع سلوكيات خارج الدولة ، في حين أن ملفاً مثل ملف سرايا المقاومة لا يزال دون أي معالجة تـُذكر.
لا تحمل هذه المقاربة معنى الإنحياز لميقاتي على حساب الحريري ، بل تعني إعلاء المبادرة الإيجابية ، أياً كان مصدرها ، وإعطاؤها ما يليق بها من إعتبار ، فالحق أحقّ أن يـُـتـّبـع.
لقد دخل ميقاتي الحكومة وإعلامُ "حزب الله" وأبواقـُه تهلّل له ، وخرج من السراي الحكومي وأبواق الحزب تهاجمه قياماً وقعوداً حتى الساعة ، وتؤكد أنه كان الأسوأ في التعاطي مع سياسات الحزب ، وهذه الأبواق تشيد الآن بالرئيس سعد الحريري وتدعو لطول بقائه في صرح وضع الرئيس الشهيد رفيق الحريري لوحة في صدر مدخله تذكر الجميع بأنها "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك