هل ستفرض دول الخليج العربي عقوبات على لبنان؟
 

هل كان رئيس الحكومة سعد الحريري يجهل حقيقة المخاطر التي ستنجم عن موافقته على تعيين سفير لبناني في سوريا، قبل الوصول إلى تسوية عادلة تضمن حقوق الشعب السوري وتضمن الحفاظ على الهوية العربية لسوريا، أم أنه أحرق سفنه وغادر المرفأ العربي نحو المحطة الإيرانية ؟
هذا السؤال بات أكثر من ضروري مع تسرّب معلومات عن توجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى فرض عقوبات على لبنان على خلفية قيام الحكومة بالتطبيع مع نظام الأسد من خلال تعيين سفير لها في دمشق، والسكوت عن زيارات بعض الوزراء وفرض التطبيع المتدرّج.

 

الحريري: تبريرات إنتخابية ضعيفة


حاول الرئيس الحريري أن يصوّر خطوته على أنها مجرّد إجراء "بروتوكولي" في إطار إتفاقات موقعة سابقاً، وأنه يجب التفريق بين كونه رئيساً للحكومة، وبين كونه رئيساً لتيار المستقبل، معتبراً أن هذا التعيين لا يعني التطبيع مع النظام السوري.

لكن الحريري تجاهل أن هذه الإتفاقات التي يتحدّث عنها موقعة قبل عدوان نظام الأسد على الشعب السوري وقمع ثورته بالبراميل والكيماوي وقتل وتشريد مئات الآلاف، وقبل تعرّض هذا النظام المجرم إلى عقوبات عربية ودولية لا تزال مستمرة حتى الساعة ، وأن هذه العقوبات ملزِمة في الكثير من جوانبها ويتعرض خارقوها للعقوبات المضادة ، وقبل إرتكابه جرائم جديدة بحق لبنان !


تجاهل جرائم الأسد بعد توقيع الإتفاقات


تجاهل الحريري أن نظام الأسد إرتكب على الأقل جريمتين لم يمرّ عليها الزمن هما جريمتا إرسال متفجرات الإرهابي ميشال سماحة المتورط فيها أحد أركان نظام الأسد (علي مملوك) والتي إستشهد بسببها على الأرجح الشهيد وسام الحسن بعد أن أصرّ على كشفها والمضيّ في محاسبة سماحة ونظام الإجرام القابع في دمشق.
وجريمة تفجير مسجدي السلام والتقوى التي تمت برعاية أسدية فاقعة، وتمّ تهيرب رفعت عيد على أثرها، وتمييع القضية ، وتجاهل الدور الأسدي في قتل أبناء طرابلس.

هاتان الجريمتان كانتا كافيتين وحدهما، ليس لعدم تعيين سفير لبناني في دمشق، بل لطرد سفير الإجرام من لبنان، خاصة أن سفيره تورّط في إدارة أعمال عدوانية على الشعب اللبناني وعلى اللاجئين السوريين الفارين من بطش نظامه ، عدا عن إتهام الأسد بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، والذي يبدو أنه بات من الماضي تحت شعار الحفاظ على السلم الأهلي!

إن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني إلغاءها أو هدم السفارة في البلدين ، فهذه العلاقات قامت منذ لحظة إقرار تبادل السفراء، وهي مستمرة ودائمة، أما طبيعة العلاقات وطريقة إدارتها فيخضع للظروف والتطورات، ولا يمكن تصوّر الإستمرار في العلاقة في حين أن الطرف الآخر مسؤول مباشر عن إرتكاب جرائم على الأراضي اللبنانية ومستمر في الحرب على الشعب السوري وفي معاداة العرب والإنحياز إلى الخط الإيراني.

إقرأ أيضًا: نقاش على ضفاف الضياع السياسي في ظل حكم سعد الحريري (2-3)

مأزق الحريري المتعدّد الأضلاع

لقد بدا واضحاً أن الرئيس الحريري أراد من تبريراته لتعيين السفير الحفاظ على شيء من شعبيته التي يدرك أنها مبنية على قاعدة معاداة نظام الأسد، ولكنه في الحقيقة متجه ومحكوم بسبب ما وضع نفسه فيه من إلتزامات تجاه "حزب الله" ، بالتطبيع الكامل مع الأسد ، فماذا سيفعل مؤيدوه وكيف سيتعاطى اللبنانيون مع هذه المعضلة ، فمع تقدّم خطوات الحريري بإتجاه الأسد لن يعود مجدياً توجيه الإنتقاد إلى الرئيس نجيب ميقاتي أو الوزير اشرف ريفي ، بل إن لحظة الحقيقة ستكون قد حانت!

مخاطر "الإنتحار السياسي"


دولة الرئيس سعد الحريري ،

لقد تدخلتَ في العلاقات الزوجية وأقحمتَ نفسك في شؤون المحاكم الشرعية، وتريد تعديل القوانين تحت عنوان "رفض الإغتصاب الزوجي" نصرة منك – كما تعتقد لحقوق المرأة – والحالةُ هنا زواج شرعي - قانوني بين رجل وإمرأة ، فكيف تريدُنا أن نقبل التطبيع مع نظامٍ يغتصب سوريا بشعبها رجالاً ونساءاً، ويغتصب حقوق لبنان منذ قام قبل خمسين عاماً!!

لقد تحرّرنا من نظام الأسد عند إنسحابه من لبنان بعد إستشهاد رفيق الحريري ، ولن يرضى اللبنانيون بالعودة إلى السجن الكبير ، مهما كانت درجة تحالفك مع "حزب الله" وأياً تكن الأثمان التي إرتضيتَ لنفسك أن تدفعها مقابل حلم الإستمرار في السلطة.

دولة الرئيس،

لن تكون أقوى من علي عبد الله صالح، الذي تحالف مع الحوثيين إنتقاماً من المملكة العربية السعودية التي ساندت حق الشعب اليمني في الحرية وفي رفض التمدّد الإيراني إلى خاصرتها الحدودية، وربما هناك من يسوّل لك أن تفعل مثله إعتقاداً منك أن المملكة تخلّت عنك ولم تقدم لك الدعم المالي مما إضطرك إلى إقفال أبواب شركة "سعودي أوجيه" بسبب سوء الإدارة والفساد ، لكنك بهذا تتجه نحو الإنتحار السياسي الكامل.


لقد إمتلك صالح ثروة هائلة وقوة عسكرية ضخمة، وساهم مع الحوثيين في الإنقلاب على الشرعية ، وصار يعطيهم أوراق القوة، إلى أن إستهلكوه ، فمضغوه ثم لفظوه ، وهوَ من هوَ قوةً وعشيرةً ومالاً ، والآن يقبع (صالح) محاصراً في ما يشبه الإقامة الجبرية ، وسيكون مصيره أسودَ عندما تأتي أوامر الوليّ الفقيه!


دولة الرئيس سعد الحريري ، لستَ أقوى ولا أغنى ولا أدهى من علي عبد الله صالح ، ولقد دخلتَ فمَ الغول، وتحاول إدخال اللبنانيين معك، لكننا نقول لك إنك بعد مغامرتك في قصر الأسد وبعد تحالفك مع "حزب الله" لم يعد ممكناً الإستمرار في سياسة الإنتحار التي تنتهجها، خاصة أنك في طريقك لتحويل لبنان دولة منبوذة بسبب السماح للحزب بجرّ لبنان نحو التطبيع مع نظام الأسد ، خارج الإجماع العربي والدولي.

وهم إستمرار الأسد


يدرك الجميع أن التسوية ستحصل في سوريا، وأن العمل عليها جارٍ على قدمٍ وساق، ولكن إيران تحاول الإيحاء بأن الأسد إنتصر وأنه باقٍ على رأس الحكم في سوريا، وهذا خلافُ الواقع، لأن جوهر المفاوضات قائم على ترتيب المرحلة الإنتقالية كممرٍ إلزامي لخروج الأسد من الحكم برعايةٍ روسية ، وكلّ أروقة التفاوض في آستانة، والإجتماعات الروسية مع المعارضة السورية ، تؤكد خروج الأسد من الحكم.


في هذه الأجواء ، يُصرّ "حزب الله" على التطبيع مع الأسد كوسيلة دعمٍ لخيار إيران التفاوضي ، وجاء قرار تعيين سفير لبناني لدى دمشق في إطار التطبيع المتدرج والمستمر مع النظام، وهذا مسارٌ يضع لبنان في مواجهة الشرعية العربية ، ومن الواضح أن تغريدة الوزير تامر السبهان التي جاء فيها:"ليس غريباً أن يعلن ويشارك حزب الميليشيا الإرهابي حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي . 

ولكن الغريب صمتُ الحكومة والشعب في ذلك" ، تصبّ في إتجاه إستنكار المسار الذي تنحرف إليه الحكومة اللبنانية ، ويُخشى أن يكون لبنان قد دخل دائرة العقوبات المتدرّجة ، من دول مجلس التعاون العربي إمتداداً إلى الجامعة العربية وصولاً إلى دوائر القرار المالي والدبلوماسي والعسكري الأميركي والدولي ، فهل يتحمّل بلدُنا هذه الكوارث كرمى عيون الأسد وفدى "صباط السيد"؟!