الإساءة إلى السعودية مرفوضةٌ وطنيًا وإسلاميً
 

ما هو المقصود من قبول القضاء إقامة دعوى ضد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان وما هي أبعادُها السياسية وتداعياتـُها الوطنية والإقتصادية والتنموية؟
من دون مقدّمات إلتفافية، إن هذه الدعوى هي دعوى إستفزازية في كل أبعادها: فقد جاءت بعد مضيّ زمنٍ على إطلاق مواقف وتصريحات الوزير السبهان، ولا تستند إلى معطى آنيّ يوجب تحرّك القضاء شكلاً، قبل النقاش في المضمون.

ما الذي أيقظ “الضمير الوطني” لنبيه عواضة ومَن وراءه بعد أشهرٍ من مواقفَ سياسية للوزير السبهان جاءت على خلفية شعورٍ طاغٍ لدى شريحةٍ كبرى من اللبنانيين أن “حزب الله” المتورط في الحرب على الشعب السوري، وفي الحرب باليمن وفي إضطرابات البحرين وفي إثارة الفتنة في الكويت وغيرها ، يأخذُ لبنان نحو إنحرافٍ خطر في علاقاته الخارجي . ولماذا الآن يتمّ تحريك دعوى كهذه، وما هو الهدف منها في نهاية المطاف؟

هل الهدفُ أن يصبح الوزير السبهان مطلوباً للقضاء اللبناني وأن يحكم قضاؤُنا غيابياً عليه ليصبح مطلوباً للدولة اللبنانية ، أم أن هناك ملفاتٍ غير منظورة تريد جهاتٌ سياسية تمريرها تحت غطاء الإدعاء على الوزير السبهان؟

• دعوى سياسية وكيدية

إن مقدّم الدعوى (نبيه عواضة) شخص معروف الإنتماء السياسي ، كما أنه ليس صاحب مصلحة مباشرة في ما إدعى به، بل هو تكلّفٌ موصوفٌ، وإدعاءٌ مجبولٌ بالمزايداتِ السياسية والإعلامية لا أكثر. خاصة أنه موظفٌ في هيئة “أوجيرو” في مديرية خدمة المشتركين، التي يتولاها السيد هادي أبو فرحات ، والذي يجاهر بولائه لوزير الخارجية جبران باسيل ويعلن مواقف سياسية منحازة، خلاف المعهود بإمتناع الموظفين في القطاع العام عن التعبير عن الجهر بمواقفهم وإنتماءاتهم السياسية.

ونبيه عواضة أسير سابق لدى العدو الإسرائيلي، يتحدّر من اليسار البراميلي المؤيد لحرب نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري ، ويتحرّك ضمن المنظومة السياسية والإعلامية لـ”حزب الله”.

الدعوى ضد الوزير السبهان إذاً ، هي دعوى سياسية وكيدية من “حزب الله” بالواسطة، وإلا ما كان للقضاء أن يقبلها دون خلفية وازنة. فقد جاءت من شخص غير ذي صفة ، مدعوماً من “حزب الله” لتقارِب ملفاً يعلم الجميع أنه سيؤدي إلى إثارة أزمة مع المملكة السعودية ، كان بإمكان القضاء إسقاطُها ووأدُها، ضمن صلاحياته، لدى وصولها إليه، نظراً لهشاشتها وعدم جدّيتها وتهديدها بتعكير العلاقات مع “دولة شقيقة”، بدل قبولها والسماح لها بأن تتخذ مسارها القانوني، وبالتالي السياسي، خاصة أن مضمونها يحمل بعدا سياسيا جدليا ويثير الإنقسام الوطني.

• هل يقبل القضاء الإدعاء على الأسد والحرس الثوري؟

نستذكر في هذا السياق مذكرات التوقيف الصادرة عن النظام السوري بحق الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي والشهيد الكبير وسام الحسن، فهل يُراد لنا أن يكون حالُنا كحال ذاك النظام؟

فهل يقبل القضاءُ الإدعاء على بشار الأسد بتهمة إثارة الحرب الأهلية عبر متفجرات ميشال سماحة؟

وهل يقبل قضاؤُنا الإدعاءَ على الأسد بتهمة إختطافِ وإعتقالِ مئات اللبنانيين المُغيّبين في سجونه على مدى عقود إحتلاله للبنان وما بعد هذا الإحتلال؟

وهل يقبل القضاء الإدعاء على قيادات الحرس الثوري الإيراني التي تـُدخل السلاح وتنشر الإرهاب في لبنان وسوريا والعالم العربي؟ كنا نتمنى لو تحرك قضاؤنا الذي يجد الوقت لمثل هذه الدعاوى (العواضية) المشبوهة، أن يتحرّك أيضاً ليستدعي أولئك الذين إجتاحوا شوارع بيروت وإقتحموا الحدت وضربوا في محلة ميرنا شالوحي.. وصوّرتهم الكاميرات وهم يعيثون فساداً وينشرون التخريب في الممتلكات العامة والخاصة وهددوا فعلاً لا إدعاءاً السلم الأهلي..

• ما هو موقف الرئيس الحريري ولماذا الصمتُ والتجاهل؟

السؤال هنا: هل يمكن إتخاذ قرارٍ بحجم الإدعاء على الوزير السبهان دون إطّلاع وعلم السلطة السياسية، وتحديداً رئيس الحكومة سعد الحريري؟

أما السؤال الأهم : ما هو موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري من دعوى من شأنها إثارة أزمة حقيقية مع المملكة العربية السعودية، أم أن البعض إنتقل إلى مرحلة التشفي والإنتقام من خلال إستخدام القضاء ضد الرياض بعد أزمة إستقالة الحريري وما تلاها من تداعيات؟

ولماذا هذا الصمتُ والتجاهلُ من الرؤساء، وخاصة الرئيس الحريري الذي يصرّ على أن العلاقات مع السعودية جيدة وطبيعية ، فهل ما يحصل هو في إطار العلاقات الطبيعية؟

أم أنه حدَثٌ يستدعي التدخل بإعتباره يمسّ مصالح لبنان الوطنية والعربية؟

تضعُ السعودية ثقلاً مالياً في خدمة التوازن المالي في لبنان، ومن المنتظر أن يكون لها دورُ فاعل في مؤتمر باريس 4، فضلاً عن الأضرار التي يمكن أن تنشأ بسبب إندلاع أزمة تطال شظاياها اللبنانيين في السعودية والخليج فضلاً عن قطاعات الإنتاج المحلية المرتبطة بشرايين التواصل الإقتصادي مع المملكة.. فهل يصحّ أن تُهدّد نزوةُ فريق سياسي كل هذه المصالح؟

هل من المنطقي أن يُستعمل القضاء الذي سكت على مئات الإساءات الإعلامية والسياسية للمملكة العربية السعودية، والتي وصلت إلى القدح والذم والإساءة المباشرة، ليكون واجهة لضرب وتوتير العلاقات اللبنانية السعودية، الخارجة أصلاً من أزمة، كنا نظن أن الجميع يعمل على تجاوزها؟!

الواضح أن الجهة التي حرّكت الدعوى ضد الوزير السبهان تريد نقل العلاقة مع السعودية إلى مرحلة الإستفزاز والتوتير والعداء، وذلك تحت ستار القضاء وتجاهل الرئاسات الثلاث لمخاطر ما يجري.

المواطنون اللبنانيون الشرفاء يرفضون جرّ لبنان إلى هذا المعترك، وإذا كان لدى “حزب الله” أجندة إنتقام يوحي بها إلى أفرقاء في السلطة، فإن نتيجة هذا المسار معروفة ، وإن تجاهلها الكثيرون، وهي أنها ستكون وبالاً على لبنان دولة وشعباً.

• مقاربات ومقارنات بين إيران والسعودية

سعت السعودية إلى إطفاء نار الحرب في لبنان وترسيخ السلم الأهلي من خلال إتفاق الطائف ، ودعم الدولة بمؤسساتها الدستورية والأمنية والمالية والإقتصادية.. بينما أسست إيران حزبها وموّلته ليكون دويلةً في قلب الدولة.. بعد العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 عملت إيران على دعم فئة بعينه،، في حين أطلقت السعودية عملية دعم لإعادة إعمار جميع المناطق المتضرّرة ، بما فيها الضاحية الجنوبية وبلدات وقرى الجنوب.

وعملت إيران على تدمير مدن العراق وتحويله إلى دولة فاشلة، لكن مؤتمر الإعمار ينعقد في الكويت وليس في طهران، فعل يدرك من ينساق إلى إشتباك مع السعودية إلى أين يأخذ لبنان، أم أن البعض إستمرأ الغرق في النموذج الإيراني الفاشل من طهران إلى بيروت ؟

• أخيراً

رغم كل عمليات التحريض والتشويه التي تعرّضت لها المملكة العربية السعودية ، وتحديداً خلال وبعد أزمة إستقالة الرئيس الحريري ، فإنها تبقى في الوجدان الوطني والإسلامي ، أولى القبلتين ومهبط الوحي والمرجعية السياسية العربية الوازنة الداعمة لمشروع الدولة والوحدة الوطنية ، وعلاقة اللبنانيين الشرفاء بها لن تتأثر بحملات التجنـّي والتحريض ، بل ستبقى راسخة وصلبة ، ونؤكد أن عمليات الإبتزاز السياسي بحقها مرفوضة وساقطة ، والشعبُ اللبناني بمجمل أطيافه متمسك بأفضل العلاقات مع السعودية وقيادتها ، ولو كره الكارهون.

• أمين عام التحالف المدني الإسلامي