حزب الله يستخدم حدث الجرود ﻹبتزاز وتطويع اللبنانيين بحجة التحرير سرايا أهل الشام نسخة من سرايا المقاومة وداعش ملتزم باتفاق الإنسحاب وأبو مالك التلي قاوم ثم انخرط في تفاهم الخروج الآمن
 
أمام إستمرار حفلة التضليل الهائلة التي يمارسها "حزب الله"  تحت شعار "تحرير جرود عرسال" وانجراف الإعلام اللبناني وتحوّله إلى فروع للإعلام الحربي ، ومع تسعير حملة تخوينٍ وتهديدٍ علني بالقتل لكل من يعارض إستيلاء الحزب على قرار السلم والحرب وعلى صلاحيات الدولة وعلى مكانة الجيش اللبناني.. أصبح لزاماً علينا البحث والتدقيق ، ثم الوصول إلى حقيقة ما جرى ويجري في الحدود الشرقية للبنان.
 
ملامح الصفقة
 
بدأت تتضح ملامح مجريات وأبعاد العملية العسكرية في جرود عرسال والتي يبدو أن "حزب الله" رسم لها مساراً محدّداً ، سواء من حيث البعد الميداني أو السياسي أو الإعلامي ، وتمكنه من سَحْبِ الجميعَ إلى حيث يريد في إدارة الحدث واستثماره داخلياً وخارجياً ، وحرص الحزب على تظهير حصول إشتباكات من أجل أن يفرض إبتزازاً سياسياً على الدولة اللبنانية وعلى خصومه السياسيين ، وعلى المجتمع الدولي ، في حين أن المسألة اقتصرت على مواجهات محدودة مع "هيئة تحرير الشام – (جبهة النصرة)" ما لبثت ، بعد مواجهة محدودة ، أن انضبطت في إطار التفاهم العام المبرم ، الذي شمل بشكل تام تنظيم "داعش" و"سرايا أهل الشام" ، ليتضح أن عملية "تحرير جرود عرسال وجوارها" هي عملية تم ترتيبها مسبقاً في معظم فصولها ، وذلك بعد تركيب "حزب الله" لكامل فصول خطة كان يمكن إنجازها دون الحاجة إلى رصاصة واحدة.
 
 
إنجاز كبير للواء عباس إبراهيم:
 
لا بدّ من الإشادة بالإنجاز الكبير والحقيقي ، الذي تمكن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من تحقيقه بأناة وصبر ، وتمثـّل في التمكن من إنجاح مفاوضات أدت عملياً إلى إتفاقين كاملَين مع كل من: "سرايا أهل الشام" وتنظيم داعش ، في حين بقيت "هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو مالك التلي خارج الإتفاق لمدة قصيرة ، ولم تلبث أن وافقت على الخروج الآمن من جرود عرسال ، بعد الإشتباك المحدود الذي حصل ، وتمضي الخطوات التنفيذية قدُماً في ظل تفاهم مدروس يحتوي سلفاً أدقّ التفاصيل.
وهنا نؤكد على أهمية إنجاز اللواء إبراهيم لأنه أدى واجبه في إقفال هذا الملف ، كممثل عن الشرعية اللبنانية ، وهو غير معني بالإستثمار السياسي للحدث ، بل إن هذا الجانب مرتبط بالقوى السياسية وبمدى وعيها وقدرتها على فهم ما جرى ويجري حولها.
 
"سرايا أهل الشام" أم "سرايا المقاومة": 
 
وفي خلفية الحدث ، إتضح أن "سرايا أهل الشام" وهم بقايا الجيش الحر ، عبارة عن مجموعات تولى "حزب الله" تنظيمها ودعمها لتكون أداته في الضغط الميداني على تنظيمي النصرة وداعش في المنطقة. وقد أدت السرايا دورها المطلوب تماماً ، وفي كل مراحل العملية ، ولهذا أشاد نصرالله بهم في كلمته الأخيرة ، والملاحظ أن تسميتهم تم اختيارُها لتشبه "سرايا المقاومة" اللبنانية كدلالة ضمنية على التبعية ونسخ التجربة.
 
الاتفاق مع داعش:
 
 ومصير الجنود اللبنانيين:
أما تنظيم داعش ، فقد تم الإتفاق معه منذ أسابيع على الإنسحاب من المناطق التي يسيطر عليها عبر تدمر وصولاً إلى دير الزور ، وسيلتزم التنظيم بالإتفاق ، في حين باتت المعلومات المطلوبة حول الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى التنظيم معروفة ومتداولة في أوساط محدودة ، ولن نخوض في تفاصيلها إحتراماً للأهالي وللجهد الذي يبذله اللواء إبراهيم في هذا المجال.
 
 • السيناريو المتوقع: 
ــ يتوقع أن يبدأ تنفيذ الخطوات العملية مع "سرايا أهل الشام" ، وسيغادر عناصر وعائلات "السرايا" منطقة جرود عرسال والمخيمات التي يتواجدون فيها.
ــ الإتفاق مع أبو مالك التلي يتجه نحو التنفيذ خلال أيام ولم يعد هناك مكان لمواجهات جديدة.
 
ــ أما بشأن تنظيم داعش ، فإن "حزب الله" يعتبر أنه يسلّف الجيش عبر "إفساح المجال" أمامه لتحقيق نصر معنوي لا يحتاج سوى لمسات التفيذ الأخيرة ، والغاية من هذا التوجه إعطاء نموذج لما يعتبره الحزب "تكاملاً" بين الجيش وبينه في محاربة "الإرهاب" وإعطاء الحزب "شرعية" خوض القتال نيابة عن الشرعية اللبنانية.
وفي هذه المقاربة نؤكد أنها تتناول الموقف من "حزب الله" ولا نتطرق إلى دور الجيش الذي يقوم بواجباته ، لكن غطاء السلطة السياسية المفقود هو ما يجعله في أحيان كثيرة غير قادر على المبادرة ، والمسؤولية هنا تقع على الحكومة التي تضع توجهاتها على سبيل التمني ، في حين يفرض الحزب سياساته ميدانياً.
 
 
خلاصة:
 
ــ عملياً: 
يتضح أن كل ما جرى في جرود عرسال عبارة عن مسرحية حقيقية ، على طريقة "تلفزين الواقع" ، لكن بنسخة "المنار" ، غايتـُها جـرُّ اللبنانيين وابتزازُهم تحت شعار "تحرير جرود عرسال من الإرهابيين" واستغلال فصول هذه المسرحية لفرض وقائعَ سياسية تدفع شرائح كثيرة إلى الخضوع لمنطق الحزب ، على قاعدة أن ما يجري تحريرٌ للأرض وانتقام لشهداء الجيش.. مما يجعل التطبيع مع الأمر الواقع أمراً واقعاً ، ويعزل المعارضين لسياسات "حزب الله" ويصوّرهم بأنهم مجموعات معزولة بعيدة عن الواقع ، وأن الوقت الذي كان يواجَه فيه الحزب بالإعتراض قد ولى إلى غير رجعة.
 
* تناقضات مكشوفة:
 
ـ لوحظ مدى تركيز نصرالله على عملية التفاوض ، وتقديمه الكثير من التبريرات لها ، لأنها ركيزة الحدث ، متجاهلاً أن خطاب الحزب في الترويج للسيطرة على جرود عرسال كان يقوم على إتهام اعضاء المجموعات المسلحة بقتل الجنود اللبنانيين وإرسال السيارات المفخخة وترويع أهالي الهرمل وبعلبك والضاحية.. ومع ذلك شاهدنا أمين عام "حزب الله" يعلي من شأن التفاوض ويستبعد المواجهة ، وهو أمر يتناقض مع معايير "الثأر" لشهداء الجيش اللبناني ، حيث يفترض أن يدفع هؤلاء الثمن ويمثلوا أمام العدالة ، لا أن يُكافأوا بالخروج الآمن.
 
ـ إستطاع "حزب الله" إبتزاز الوسط السياسي وأجبر الإعلام على الترويج لروايته في الحدث العرسالي ، وقام بتصوير نفسه محارباً إقليمياً فاعلاً في مواجهة "الإرهاب" في اللحظة التي كان فيها الرئيس سعد الحريري يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويتلقى رئيسُ حكومة لبنان العقوباتِ الأميركية وتأكيد اتهام الحزب بالإرهاب.
وهنا يتضح أن ما قاله نصرالله عن الحاجة إلى أشهر من الإعداد وأن توقيت المعركة يفرضه نضوج معطيات الميدان ، قد بات من لزوم تبرير الحدث لا أكثر ، لأن المسرح مهيء لعملية محدودة معروفة النتائج ، وأن المطلوب كان الإستثمار في هذه اللحظة المحلية والإقليمية الدقيقة. 
أما تضخيم مخاطر "التنظيمات التكفيرية" في جرود عرسال فغايتـُه تضخيم "الإنجاز" واختراع انتصار وهمي يبرّر الإنقضاض على الداخل اللبناني ويعطي "حزب الله" الصورة العنترية التي يبني عليها حضورَه وسطوته تجاه جمهوره وتجاه الآخرين.
 
إزالة آثار الغزوة الوهمية:
 
لكن الخلاصة الأهم تبقى أن تتوقف حفلة التكاذب الجارية حالياً على حساب الدولة والجيش اللبناني وأهالي العسكريين المخطوفين ، وأن تستعيد القوى السياسية وعيها بعد أن طاش الكثيرون تحت وطأة ضربات الآلة السياسية والأمنية لـ"حزب الله" . 
والمطلوب من الأحزاب التي أعلنت رفضها أن يحلّ الحزب مكان الدولة والجيش أن تعمل سريعاً على إبطال مفاعيل ونتائج حملة التضليل التي قام بها ، وأن تطلق مبادرة سريعة لإزالة آثار هذه الغزوة وإنهاء حفلة "تلفزين الواقع" التي جعلت جرود عرسال مزاراً سياحياً للإعلاميين والفنانين وغيرهم ، وحوّلت مقاتلي الحزب إلى "كوميديين" كان لديهم ترف التمثيل والترفيه عن الجمهور ، ودفعت بقيادات الحزب إلى امتشاق السلاح ، مثل السيد إبراهيم أمين السيد ، طالما أن الأمر يقتصر على الصورة والإستعراض فقط.

أحمد الأيوبي
أمين عام التحالف المدني الإسلامي في لبنان