لا يبدو مألوفًا أن تتطور الجبهات المشتعلة على امتداد العالمين العربي والاسلامي بهذه السرعة القياسية، حتى أنّ تبدّل خريطة الانتشار العسكري لـ"دولة الاسلام في العراق والشام – داعش" طغى على جولتي كل من وزير الخارجية الاميركية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف المنفصلتين بالرغم من أهميتهما نظرًا إلى التوقيت والمواضيع المطروحة على بساط البحث، فاقتراب "داعش" من الحدود الاردنية ووصولها إلى مسافة قريبة من المخافر الحدودية، إضافة إلى تمدّدها باتجاه الحدود السعودية طرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بـ"جيش الإسلام" إلى صرف النظر ولو مؤقتًا عن الزحف باتجاه العاصمة العراقية بغداد من جهة ومنابع النفط من جهة ثانية، وما إذا كان المقصود هو رسم حدود الدولة "الداعشية" على تماس مع الاردن والسعودية لأهداف بعيدة الامد وغايات قد تؤدي إلى اشعال الخليج العربي برمته وإعادة تقسيمه.
في هذا الوقت، تبدو المنطقة برمتها كمن يقف على فوهة بركان في ظلّ ما يشبه تظهير الصورة المستقبلية التي تضع كلاً من الاردن والمملكة العربية السعودية على لائحة انتظار المعارك مع "داعش"، فما قام به النظام السوري من تحصين جبهاته باتجاه الاردن من خلال مصالحات وتسويات من جهة وتقدم ميداني من جهة ثانية من شأنه أن يدفع بمسلحي درعا إلى الذهاب باتجاه الاردن لا سيما أنّ فتح جبهة الجولان المحتل لن يقدم أو يؤخر في هذا السياق، بل على العكس تمامًا فإنه سيدفع بالجيش السوري إلى تسريع خطواته لإنهاء الوضع الشاذ على الجبهة الجنوبية ما يعني إعادة رسم مشهد القلمون ولكن بوجوهٍ مختلفة، بيد أنّ مسلحي القلمون باتوا محاصرين بين فكي كماشة الجيش السوري واللبناني فيما ستكون كماشة الجنوب بين فكي الجيشين السوري والاردني.
وما يعزز هذا الاعتقاد هو إرسال واشنطن لعدد من الخبراء العسكريين إلى الاردن حاملين رسائل سياسية وتحذيرات من خطر الاقتراب من العرش الاردني في ظل اعتقاد بأنّ واشنطن غير راغبة بتغيير شروط اللعبة في الدول المجاورة لاسرائيل أقله في هذه المرحلة الحسّاسة حيث بدأت تل أبيب تشعر بثقل الحمل الناجم عن اتساع رقعة التوتر على حدودها الممتدة من سوريا الى الاردن فالنقب واخيرًا جنوب لبنان ما سيؤدي إلى إرهاق الجبهة الداخلية وتعاظم الخطر على تماسكها.
أما الوضع على حدود المملكة فليس مشجّعًا على الاطلاق في ظل خشية متنامية من حقيقة الاهداف الاميركية، علمًا أنّ السفارة الأميركية في بغداد كانت على علم بكل تحركات "القاعدة" إضافة إلى أنّ المخابرات الاميركية كانت بدورها على بينة من النوايا التركية والكردية على حد سواء ما يعني أنّ واشنطن كانت وما زالت راضية عن تحرك "داعش" على اعتبار أنّ تقدّم الجيش التكفيري يضع ورقة ضاغطة بيدها يمكنها من خلالها فرض شروط جديدة على دول الخليج وهي تتعدى الحسابات العسكرية والسياسية لتصل الى حدود الحسابات الاقتصادية الخاضعة لمنظومتي مافيا النفط والسلاح على حد سواء، بحيث يصحّ القول أنّ ارتفاع أسعار برنت النفط الخام شكل جرس الانذار للدول قاطبة ما سيدفعها إلى دفع اثمان باهظة لقاء ابعاد الاخطار التي حذرت منها واشنطن ما يعني أنّ الضغط الاميركي سيطاول الدول الداعمة لجيش الاسلام ومن دون حسابات مسبقة طالما أنّ الاوراق باتت محصورة ومجمعة على طاولة ضيقة للغاية.