ثمة من يعتقد بأنّ المواجهة بين القوى الأمنية اللبنانية من جهة و"داعش" وأخواتها من جهة ثانية لم تعد متكافئة في ظلّ معلوماتٍ وتقارير تصل إلى الدوائر الأمنية والسياسية لا تلقى الآذان الصاغية أو بالحدّ الأدنى الاهتمام الكافي، بالرغم من أنّ لبنان بكل تفاصيله ودقائقه بات تحت المجهر الدولي لاسيما بعد أن ساهم التدخل السياسي بالشأن الامني الاستراتيجي بالحد من فاعلية الاجهزة الامنية عموما والجيش خصوصا. فكلّ ما أشيع وقيل عن تسويات مذلة تحوّل إلى أوراقٍ ضاغطة بأيدي المجتمع الغربي الذي لم يقرّر حتى الآن كيفية مواجهة خطر التكفير ولا تجفيف منابع دعمه ولا إبعاده عن أوروبا وأميركا وسائر الدول المتحالفة مع واشنطن عضويًا واستراتيجيًا على غرار المملكة العربية السعودية وباقي الدول الخليجية، فضلا عن الأردن الذي بدأت حكومته تشعر بالخطر الجاثم على حدودها. فصحيح أنّ أجهزة الاستخبارات الاميركية والغربية كانت على بينة من قوة "داعش" على الحدود التركية السورية ولكن غاب عن حساباتها قدرتها على التمدد بهذه السرعة ووصولها الى منابع النفط وتسويق انتاجها.
في هذا السياق، كشف تقرير دبلوماسي شرقي أنّ السلطات السياسية اللبنانية تحول دون تمكن الجيش اللبناني من صد الهجمات العسكرية والمعنوية التي يتعرض لها باضطراد، وذلك منذ الهجوم الاول الذي تعرض له في الثاني من آب الماضي بالرغم من أنّ قدراته العسكرية تفوق بكثير تلك المسموح له باستخدامها، فقضية المخطوفين من الجيش والقوى الامنية ما كانت لتصل الى هذه الخطورة التي تنذر باشعال الحرب المذهبية لولا القرار السياسي الذي أرغم الجيش على وقف اطلاق النار والسماح للمسلحين بمغادرة عرسال بصحبة الاسرى العسكريين وتحت أنظار العالم برمته، وهذا ما أدّى إلى إضعاف موقف لبنان الرسمي في أيّ مفاوضات داخلية أو خارجية أو اقليمية، بل تجعله مجرد ساحة تتلقى الفعل وردة الفعل من دون أن يكون لها القدرة ولو بالحد الادنى على اتخاذ أيّ موقف عملي يصبّ في خانة المشاركة الفعالة في الحرب على الارهاب.
إزاء هذا الواقع، لا يستبعد التقرير أن تصبّ واشنطن كامل اهتماماتها باتجاه "حزب الله" ومشاركته في الحرب على الارهاب في ظل حقائق يعتبرها التقرير راسخة ولا تحتاج الى دليل وهي تتمحور حول الكم الهائل من المعلومات الاستخباراتية التي يحتاجها الجميع للحد من تمدد الارهاب والتكفير، إضافة إلى نوعية تدريبه المتصلة بحروب الشوارع والانفاق، فضلا عن قدراته التنظيمية التي يفتقدها الغير لاسيما لجهة العقيدة القتالية ودورها في مواجهة مثل هذه الاحداث غير المألوفة. فالقوى الامنية اللبنانية والتقدير دائما للتقرير واقعة تحت تأثيرات الانقسام السياسي الحاد الذي ينذر بعواقب وخيمة ليس اولها عودة التوتر الى الشمال وبيروت ولا آخرها المواجهات المذهبية التي بدأت تطل برأسها في اكثر من منطقة انطلاقا من التعاطي المستجد مع النازحين السوريين وارغامهم الى الانتقال صوب حواضنها الشعبية بما يؤسس الى فرز جديد من المقدر له ان يحرج تلك البيئات الحاضنة ودفعها الى تعميم المشهد العراقي لجهة الانخراط في مواجهة الحالات الاجتماعية المتردية ومحاربة التكفير الذي بات يقض مضاجع البيئة الحاضنة قبل سواها من الافرقاء المعارضة اصلا لمخيمات النازحين غير المضبوطة والتي تحولت بسحر ساحر الى بؤر للارهاب والارهابيين.
في الموازاة، لا يستبعد التقرير أن تستعر الحرب المذهبية المتنقلة خصوصًا أنّ هناك شريحة من اللبنانيين تحمل بعض البيئات الحاضنة للمعارضة السورية مسؤولية أعمال الخطف والذبح المقصود منها اشعال الساحة المحلية خصوصًا أنّ القاصي والداني يعرف أنّ مطالب هؤلاء هي تعجيزية، فـ"حزب الله" لن ينسحب من سوريا إلا بقرار اقليمي كبير لم يتخذ بعد وهو ليس على وشك الاتخاذ، فضلا عن أنّ إقحام السلطة السياسية في مفاوضات غير متكافئة أمرٌ لا يدعو إلى الاطمئنان في ظل تحولات متسارعة ومواقف تؤسس لمرحلة جديدة قد يكون عنوانها الابرز المزيد من التوتر والتصعيد.