بعد تعليق هيئة علماء المسلمين "وساطتها" في ما يتعلق بالعسكريين الرهائن في الجيش اللبناني  بقبضة "جبهة النصرة" ومثيلاتها، وعلى وقع التسريبات عن تحركات مريبة ومكثفة لمجموعات مسلحة كبيرة في الجرود المتاخمة لعرسال وبالقرب من التلال التي يسيطر عليها الجيش اللبناني منذ التسوية التي أدّت إلى ما هو معروف من الجميع، يمكن القول أنّ لبنان بشقيه السياسي والامني قد دخل مرحلة جديدة من التوتر تنذر بعودة الأمور إلى ما كانت عليه في البقاع الشمالي عشية الهجوم الذي شنه المسلحون لأسبابٍ تتضح يومًا بعد يوم، مع بدء ظهور معالم "صفقة" من المرجح أن تشارك في بلورتها بعض الدول العربية لتحسين المشهد الملتبس في كل من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين في ظل تطورات ميدانية متسارعة تدفع الى الاعتقاد بأنّ الأيام القليلة المقبلة ستشهد المزيد من المعارك، لا سيما في العراق وسوريا مع ما يعنيه ذلك من ارتدادات مباشرة على لبنان الواقع بين فكي كماشة تحالف الجيش السوري  و"حزب الله " من جهة و"جبهة النصرة" و"داعش" وتوابعهما من جهة ثانية.
في هذا السياق، يعرب زوار العاصمة السورية عن خشيتهم من مسار الاحداث بصورة عامة، فصحيح أنّ الجيش السوري يتراجع في الرقة بحيث يتعاظم الخوف من سقوط المحافظة برمتها بيد "داعش"، ولكنه يحقق تقدما ملحوظا في كل من الريف الدمشقي وفي حلب، بحيث يصحّ القول أنّ خريطة عسكرية سورية على وشك أن ترتسم بعد ان لاحت خطوطها العريضة في افق الاحداث الممتدة من العراق الى سوريا فلبنان. بيد أنّ تنظيم "داعش" الذي بدأ يتلقى ضربات موجعة في العراق مصحوبة بكم هائل من المواقف الغربية الداعمة للحد من تمدد التنظيم الارهابي، هو نفسه الذي يلقى دعم الدول المعترضة على تقدمه في العراق ولكن على الجبهة السورية وذلك في مشهد يراوح بين حدي الاعتقاد بأنّ الغرب يسعى فعلا إلى إقامة دولة خلافة تستقطب الاسلام المتطرف والتكفيري، ولكن على مساحة جغرافية صالحة لاطلاق حرب جديدة بين مكونات المجتمع الاسلامي تمتد طويلا وتسمح للغرب ولاسرائيل باعادة تقييم الوضع في العالمين العربي والاسلامي انطلاقا من معطيات وايديولوجيات متناقضة تشكل بغالبيتها أرضًا خصبة لحرب استنزاف طويلة الامد، وإمكانية المقايضة في عملية معقدة لا يستفيد منها سوى الغرب المتوجس من المستقبل.
وهذا لا يلغي بحسب هؤلاء الزوار تنامي المخاوف من عودة التوتر إلى جرود عرسال في ظل مؤشرات بدأت مع تعزيز "حزب الله" لمواقعه في الجرود الفاصلة عن مناطق نفوذه، وذلك بعد أن أشارت المعلومات والوقائع إلى أنّ الجيش اللبناني لم يتمركز في واحدة من التلال الهامة بعد تدخل عدد من السياسيين واصحاب الشأن الاقليمي والعربي لترك المجال مفتوحًا أمام حرية حركة المسلحين المحكومة بتدوير الزوايا التي جاءت بمعظمها على حساب الجيش اللبناني نظرا الى مواقف هيئة العلماء المسلمين  ومن يقف وراءهم من ساسة محليين وربما إقليميين خصوصًا أنّ المؤشرات عينها تدل على قطبة مخفية بدأت مع انسحاب "داعش" من داخل عرسال وتمكنه من الخروج الامن برفقة الاسرى العسكريين وهذا ما كان ليحصل لولا مفاجآت سياسية غير محسوبة قد يكون أبرزها عودة رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري لتنفيذ مهمة من المرجح أن تظهر تفاصيلها في الايام القليلة المقبلة وهي مهمة امنية بامتياز لا تمت الى السياسة بصلة الا من باب اعطاء الغطاء لبعض محطات المرحلة المقبلة.