كانت مبتهجةً لشدَّة جمالها وبياضها ، ولمألوف عادتها ، فصفَّقت شعرها وتزيَّنت على قدر جمالها ما تسمح بها حالها...لم يُعفها عن ذلك خمارها المُهلهل ولا جلبابها البالي ، فخرجت ذات يوم والإبتسامة تلوح على ثغرها ، وجلست بجوار المصطبة ، لم تجرؤ أن تعتليها ، وتستمتع بلمس حصيرها المصنوع من القشِّ والسنابل الذهبية المبسوط على سطحها ، خشية أن يتشوَّه جمال بياضها..إنها وحدها لا يضايقها أحد.. وتستطيع أن تبتسم كلما راقى لها الإبتسام ، وتضحك في أمن وأمان وطمأنينة ، بل وفي مقدورها أن تفعل أكثر من الضحك والإبتسام ، ترقص أو تغنِّي إذا حلا لها الرقص أو الغناء....لقد أخذت الظلمة تنبسط على المصطبة بأسرها ، وراح النَّسيم ينقلب هواءً إشتدَّت به  في يومٍ عاصفٍ تذروه الرياح في بحرٍ لجيٍّ..لم تغادر مكانها ، بل إكتفت بجمع ثوبها لتستر بياض جمالها، وانكمشت بجوار المصطبة ، ومضت تتصفَّح مناظر المستقبل وما سيجري عليها من زوبعة مزدحمة بهرجٍ ومرجٍ ، حتى ثقُلت أجفانها واحتواها النوم في سُباتٍ عميق...هي الكاغد ورقة بيضاء ناصعة في وطني، إستفاقت من سباتها لتجد في وسطها نقطة حبرٍ سوداء أسقطها القلم والرصاص من قِبَل صُنَّاع الحروب والإنتصارات والهزائم ، فشوَّه صورة البياض والجمال...ووجدت الكلمات تتعثَّر على لسانها وتزايلت إبتسامتها ولم تنطق بحرف ، والقلم وما يسطرون...ذهبت تتفقَّد مرقده وألقت بنفسها على كومة الهشيم فأخرجت في قبضتها سكيناً واندفعت تروي لها حكايتها..إنها اليد التي لطَّخت ذاك الجمال وأنوار المصابيح الكبيرة ذواتِ الشُّعاع الأبيض الذي يبهر الأبصار...وما زالت ترتِّب بين الحين والحين شعرها وتُسوِّي جلبابها ولم تيأس حتى مكثت تحدِّق صامتة بما جرى عليها من سواد ودموع ودماء.. عيونها تنبض بالحياة والفوضى تشقُّ طريقها إلى حيث لا تعرف ، جُلّ ما تعرفه أنها ترفض القيود ، كل القيود وأعلنت وجهتها اللامكان واللازمان ، وجهتها أفقاً رحباً يتسع لكل زمان ومكان...فلوَّنت صفحة جديدة ودوَّنت تاريخ اليوم ونظمت حبر القلم ورسمت صورتها فوق المرآة لتطوي رحلة الوجد في سراديب الوجع..لتبقى فسحة الفضاء نشر صفحات يتلوها من يخلق من السراب ماءاً.. هي لا تريد أن تكون ملاكاً تطير بجناحين من سماءٍ إلى سماء ، ولا جبَّاراً طاغياً يتحكَّم بالملايين ، وإنما تريد أن تحيا لبناء وطنٍ ولحياة كريمة في هذه الأرض التي ولدت عليها ، وأن تجد السبيل لسدِّ حاجاتها المادية والروحية دون أن يكون لأحدٍ عليها فضلٌ ولا منَّةٌ ،  وهكذا الحال نقترب من واقع الحياة وننتظم معها إذا أسمينا الأشياء بأسمائها ووصفناها بصفاتها ، أما إذا جهلنا أو تجاهلنا الحقائق ، وسمينا الخوف والجبن حكمة وروية ، والضعف والفقر قضاءً وقدراً ، والوهم والخُرافة وحياً سماوياً ، والإستسلام للطغيان سلاماً واستقراراً ، أما إذا كانت الحال هذه فنحن وحدنا المسؤولون إذا حكمنا وتحكَّم فينا عدو الله والإنسانية......الشيخ عباس حايك