إنَّ كل مجتمع وقوم ومذهب وطائفة ترى لها نصيب من الإيمان في العالم وفي المجتمع الإنساني ، والذين عايشوا العظماء والأولياء والفلاسفة والمصلحين والذين عايشوا الأنبياء والنبي محمد (ص) فإنَّ نصيبهم من الإيمان أكثر بكثير من الذين تفصلهم الحقبة الزمنية التاريخية ، كما ورد في الروايات أننا لا نرى سوى سواداً على بياض ، وخصوصاً ما رافق السيرة التاريخية من أشكال الوضع والتحريف على صفحات الكتب، وتفسير المفسِّرين ووضع الوضَّاعين..فمع كل ذلك كيف يمكن لنا أن نحصل على الإيمان المرتبط بالوحي والنبي (ص).. ولهذا نرى أن أكثر الناس كانوا يريدون من النبي بأن لا تؤثِّر دعوته على معيشتهم وحياتهم ونفوذهم السلطوي ، وعلى تجارتهم التي هي مصدر زعامتهم وقوتهم..فهم إنقادوا إلى النبي (ص) في الأمور التي لا تضرُّ بمصالحهم ولم يكن إنقياداً إيمانياً قلبياً ، وهذا فرق كبير وشاسع بين الطاعة والتقليد وبين الإيمان ، كما وصفه القرآن الكريم "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم"...نعم أنتم أسلمتم بما لم يتعرَّض لنفوذكم وشخصانيتكم ، ولكنَّ الإيمان لم يدخل ويمتد إلى ذواتكم ليتغيَّر محتواكم الداخلي من أجل الرقيِّ والإنفتاح القلبي على الإيمان والإنسان والحياة..ولهذا طلبوا من النبي محمد (ص) نحن معك بشرط الإحتفاظ على الزعامة والكيان والشخصية ، وهذا هو شأن التاجر والكاسب..قد يكون هذا الأمر مقبول وحسن إذا لم يكن الداعي إلى ذلك هو السيطرة والتحكُّم بمصير الرقاب والعباد ، كما هو حال التديُّن المعيشي الذي يرى أنَّ الحياة مع هذا النوع من التديُّن يكون أفضل لمواجهة الصعوبات والتحدِّيات إذا أخذنا بعين الإعتبار العدالة الدينية ويتحرَّك في رفض كل أشكال العنف والإنحراف والظلم والعدوان ، والتصدِّي للظالم والقاتل والمعتدي وقِوى النفوذ والإنحراف ، فهذا النوع يندرج تحت عنوان "تديُّن العيش والمعيشة"...وهناك نوعٌ آخر كما ورد في الروايات " الدين لَعقٌ على ألسنتهم يُحيطون به ما درَّت به معايشهم.....وأغلب الناس يعتاشون بدينهم" فيأخذون الدِّين وسيلة ومطية للحصول على العيش والتجارة والسيطرة والنفوذ فيأخذون دور الوعظ والموعظة والخُطب الدينية التي يعجُّ بها الخطاب الديني والفكري والتعبوي ، وهذا ما تتمسَّك به الحركات السياسية الإسلامية ولم يحاولوا تلمس أي طريق لحفظ الإنسان وكرامته وحفظ الأخلاق..فهم لا يكلُّوون ولا يملُّون من إلقاء المواعظ وبذل النصائح لأنه يضرُّ بمصالحهم ...وسبب هذه المعيارية هو أنهم يعيشون تحت عنوان نشر الدِّين والحفاظ على العقيدة ، وهم يعيشون على موائد الزعماء والأغنياء والمترفين فيحرصون على إرضاء أسيادهم فتراهم ينزلون على الفقير والفقراء بالقارعة وما أدراك ماالقارعة ، ويغضُّون الطرف عن الأسياد وتعسُّفهم بل يدعون لهم بدوام النعمة ومعها الدعاء بالصحة وطول العمر..وهذا عين ما حذَّر منه النبي محمد (ص) حين توعَّد قومه وأنذرهم بالعذاب فقال : "لقد هلك الذين كانوا قبلكم ،إذا سرق فيهم القوي تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ