نحن المثقفين والمتدينن والمتعلِّمينن والحزبين والديمقراطين والمتنورين ما زلنا ننشد الزعيم والرئيس والقائد وولي الأمر والحُجَّة الذي قد تولَّى أكثر من زعامة أو إمارة منذ خمسين سنة أو ما ينقص ويزيد احياناً..حبَّذا لو تأملنا بروية من دون عصبية أو قبلية حزبية مؤمنة ودينية ورجعنا إلى نفوسنا وقلوبنا لنبدأ بنقاشها وبحسابها الدقيق ولنسأل سؤال حرٍّ لكل جهة أو هيئة أو منظَّمة أو حزب او مؤسسة دينية أو تحت أي عنوان من عناوينها المزركشة هل حقَّاً سائرون في بناء الدولة أم أننا ذاهبون نحو البرازح وأحجار القبور والتراب ؟ أيها المتعقِّل إن صحت التسمية هل ما نردِّده في مجالسنا وأمسياتنا وسهراتنا الليلية تحت ضوء القمر مع تلك السجائر، دخانها العابق كغيمة مطر والعالق على النوافذ والجدران ونخيل الليل والشجر...بالقول القائل رحم الله الأجداد وبئس ما خلَّفوا..أو بئس ما ولدوا...لقد شغفنا بين الحين والطلَّة بمُزَوَّق الألفاظ المنمَّقة ، ونُتحف بمُنمَّق الكلام البليغ الذي قد تعجز عنه معاجم اللغة والحروف المختصَّة ، ولكن الجدود السلف ما قبل النهضة الدينية وما بعد الهداية نراهم قد فتنوا بعظيم الأعمال وصادق الفعال بالطهارة والبراءة العفوية يؤتمنون على البيوت والأعراض والنساء والأطفال والأموال والدماء لأنَّ الواحد منهم كان مصلحاً  عملياً لا بالقول والخطب والنشيد.. كان ينتزع شعرة من شاربه تكون صكَّاً للأمانة والطهر والوفاء والصدق...بينما نحن اليوم نمسح على لحانا نقول ولا نفعل نخطب بالناس لا لأبنائنا وأولانا وأنفسنا وخصوصاً أصحاب ربطات العنق الملوَّنة وأصحاب الصولجان والعمَّة ما بين الأبيض وغرابيب سود وحُمُر مظلمة مشبعة بالوخز والحُقن..ما زلنا نتغنَّى بالوطنية ونرفع النشيد الوطني وقوفاً في الأندية والقاعات والمناسبات بل حتى في موائد الأكل والإفطار ونترنَّم به في الشوارع والطرقات ونحدوا بإسمه بالأرز الأخضر في الحفلات الباهرات ، والإحتفالات بنصر الأرض والشعب ، ورفع الرايات والأعلام ما بين ألوانها الفاقع.. وما إن تهاب بنا من أجل التضحية في سبيل بناء الدولة وحماية جيشه قبعنا في دور العبادة والصوامع صارخين أين الدولة لا توجد دولة..لكن وطنية سلف الأجداد كانت صامتة لا تتجلَّى ولا تُسفر عن وجهها إلاَّ على متن الصَّافنات الجياد ، ولا تتدفَّق إلاَّ مع دمائهم لبناء بلدهم على شفار المرهفات المصقولة..ما زلنا نتغنَّى بالحرية غدواً وآصالاً ونشدو بالإستقلال والعزَّة والكرامة نتظم قصائد أشعار وأناشيد موسيقية ويبقى خيارنا ليس لنا وليس بأيدنا ونفوسنا مؤسورة كأمَةٍ مسترقة وعبدةٍ مستعبدة..أسلافنا لا يعرفون تلك المصطلحات والأوصاف الموصوفة تبقى نفوسهم طاهرة نقيَّة كنصل السيف ، حرَّة زكية كالطيور المغرِّدة.. في كل يوم من أيام الثقافة ندعوا إلى العدل والمحبَّة والإخاء والمساواة وكفِّ الأذى إنها ألفاظ أقرب إلى شفاهنا وأبعد عن قلوبنا ، أجدادنا كانوا أعرف بحقائقها..رحم الله الأجداد وبئس ما ولدوا.