عندما يعجز اللسان، ويجف مداد القلم، والدماء تحيط  بجوانبك، وكوابيس السياسة لا تفارقك، حينها تدرك أن جللاً طرأ في حياتك، فكيف يمكنك أن تكتب؟ وبأي مدادٍ تكتب؟ تخط الكتاب وتكتب بمداد الدم في غزة!. نكتب عن المشاهد الدموية في غزة وفلسطين التي تسبق كل الحواسيب العالمية والتي ستنتهي إلى إدانات في نظم السياسة العربية، وإلى دعس النجمة السداسية وحرقها من قطعة قماش، ثمَّ الوقوف صمتاً كأنَّ على الرأس طيراً، ثمَّ الحداد يوماً أو ربع يومٍ وتنكيس العلم الرفراف الأسود، وتغمد أغمدة السيوف العربية التي تآكلها أصداء الخوف ودفنها في غمد الأسر، لأنها أسيرة بلا حرب، بل أسرى بلا قتال ولا حروب.
 نكتب عن تلك الخيول الملجومة والمكشوفة والتي تنزف دماً من ألسنتها وحناجرها، ويجلس فاقدو الحول والطول والقوة أمام عدسات الشاشات يتنهدون ويضربون كفَّاً بكفِّ، يكظمون الغيظ في قِمَمٍ، وقمة (أبو الغيط) ويجترون الأسى واللوعة والحسرة. إنه أكبر سلاحٍ فتَّاكٍ مضادٍّ لكل الطائرات والصواريخ والقذائف والقنابل الصهيونية المغيرة على عمق غزة والتي تستهدف أطفالاً وبشراً وحجراً وحيواناً ونباتاً ومساجد ومدارس وبيوتاً ومستشفيات، والحواسيب تسجل للقادة والأمراء والملوك العربية والإسلامية ومع الملايين من العرب الذين يصابون بنوباتٍ قلبية وارتفاعات في ضغط الدم وشراينهم، ويصابون بجلطاتٍ دماغية تغشي البصر والبصيرة لأنَّ العين بصيرة واليد قصيرة والأعمار بيد الله ورحم الله الشهداء، بل وهم مكبَّلون وعبيد وأسرى في عقر أوطانهم.
 كيف لنا أن نكتب يا غزَّة، ويا حلم فلسطين والقدس، ويا غزَّة هاشم، نكتب عن العرب والعروبة والغيارى والنشامى الذين تاهوا عن الطريق، وبعثروا حلم أطفالك يا غزَّة وأصبحوا أشلاء.. عمن نكتب؟ ولمن نكتب؟ لعلماء الأمة؟ أم لمجالس حكماء المسلمين؟ هل من يدلني إلى من نكتب هذا البحر من الدم؟ فليس عندي جواباً، فأنا لم أعرف سؤالاً يحرق القلب مثل هذا التساؤل والسؤال؟. 
فمع كل يومٍ يستشهد مئات الفلسطينيين من أطفال ونساء وبالغين وشيوخ بحسب الحاسوب العربي الذي يزيد أضعاف هذه الأعداد من كثير من العرب الممنوعين من حساب الحاسوب والصرف، ومن كثير أعراب العرب الذين هم أسرى بلا حروب وغرباء حتى عن مصائرهم، بل المطلوب منهم جميعاً جلب الحاسوب الأمريكي المتطوِّر في آليات القتل، لأنهم لا يقدرون أن يحسبوا عدد القتلى والجوعى والمشردين على أصابع أيديهم، بل حتى على عدد شعر رؤوسهم المصبوغة بالصبغة السوداء. سنكتب عن تلك الوقفة الواجمة الصامتة المبهوتة، التي ترقب بصمتٍ وتأكل شفَّتها وشفتيها وهي تترقَّب وترقب، ثم تبتلع لسانها وهي تجيد مضغها كي لا تنطق.