إننا وأمام ذكرى استثنائية لرجل، ربما يكون استثنائي في تطلعاته وآرائه واجتهاداته منذ أن قدم إلى لبنان، والذي حكم فكره وما زال يسيطر على مرحلة كاملة في الحياة السياسية، وتجلَّت فيها سياسته وتمظهرت في كثيرٍ من الاجتهادات الجديدة، إن كان على مفهوم العلوم الأصولية والفقهية، ونظرته إلى مفهوم الدولة، والتي يجب أن تكون ـ بحسب رأيه ـ دولة سماوية لا دينية، فإذا كانت الدولة تمثِّل مصالح الأقلية، فهذا ظلمٌ فاضح للأكثرية، وإذا كانت الدولة تمثِّل الأكثرية، فما هي مصائر الأقلية؟. الدولة يجب ألاَّ تمثِّل الأكثرية أو الأقلية، بل يجب أن تترفَّع، أي أن تقترب إلى السماء، أي أن تكون بعيدة عن الحزب والطائفة والفئة ـ.
 هكذا استطاع الامام موسى الصدر ببرامجه العلمية التي كان يطرحها، أن يجذب الناس إليه، بإخلاصه وحيويته ورؤيته الفكرية من أن يصبح واحداً من أبرز الشخصيات الدينية والسياسية، لكنه في الجانب السياسي أكثر منه في الجانب الاجتهادي، بحيث كان يرى البعض أن اختلاف الرأي حوله ناجم عن طغيان شخصيته وتأثيرها على الناس، فبعض خصومه لا يعترفون له (بالاجتهاد) لإنشغاله بالجوانب السياسية ولإنتهاء مرحلة الاجتهاد، ولقلة بحوثه الفقهية والأصولية، وقلة مؤلفاته التي تخلد الذكر وتبرز غزارة العلم، ولكنه من الواضح الذي لا يمكن نكرانه أو نسيانه، أنه استطاع في فترة وجيزة أن يصبح الإمام والزعيم الروحي للطائفة الشيعية في لبنان. 
الأمرالذي جعل الإمام موسى الصدر في نظرته ونظريته حول التطوُّر السريع والمتلاحق للمدنية الحديثة ـ الدولة ـ قد حملت ببعض ما يُعد بحق متعارضاً مع الأديان ومع القيم الإنسانية، وأنَّ مسؤولية رجال الدين وواجباتهم مواجهة الأفكار والرؤى الجديدة ومناقشتها والاسهام في وضع الحلول العملية لها، لأنَّ رؤيته للمدينة الحديثة ـ الدولة ـ هي مجموعة متماسكة من الأصول والفروع والايجابيات والسلبيات. فكان يرى ضرورة خروج رجال الدين إلى الناس، ودراستهم للمشاكل على الطبيعة وعدم الاكتفاء بخطبة الجمعة أو الوعظ في المساجد. فكان من الضرورة أن يسهموا بدورٍ فعال للتصدي لحماية الشباب والمحافظة على المجتمع من الأفكار المادية التي أتت بها ـ المدينة الحديثة ـ ومن ضرورة دراسة الخصوم ومخططاتهم ووسائلهم، فالحركة الإصلاحية في المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي هي ضرورية، ولا يمكن أن يتم تطوير المجتمعات نحو الأفضل إلاَّ بمثل هذه الحركة التي هي المدخل الطبيعي لتحقيق النهضة المنشودة وسلامتها. فلهذا يكون على رجال الدين أن يعودوا إلى دورهم القيادي في تربية الانسان المعاصر وإلى إعطاء مضمون حقيقي لوجودهم لكيلا يستمروا في خدمة الأهداف والمبادئ التي تتحكم في المجتمع، والتي ليست في الواقع أهدافاً أصيلة في خدمة الأمة. وكان يرى الإمام موسى الصدر في المؤسسات الدينية بالرغم من احتفاظها بالفكر الأصيل، إلاَّ أنها كانت تمارس في الأغلب وظيفتها كقطعة من الحكم أو تقوم بدور وعاظ السلاطين، ولعلَّ من أهم الأسباب التي دعت إلى تأسيس المجلس الشيعي الأعلى، ودوره الفعال في تحسين الأوضاع على المستويين الفكري  وخدمة كل المحرومين في هذا الوطن، وبالتأكيد أبناء المحرومين من الطائفة الشيعية، كي ما يصبح هذا المجلس ـ بحسب كلام الإمام موسى الصدر ـ مؤسسة شكلية تزين مجالس الحكام وتكمل زينة البلاد والطقوس الفارغة التي تخدر أحياناً وتغضب المحرومين دائماً. 
سيدي موسى الصدر، ستبقى قائداً ومرجعاً وعالماً كبيراً، تطلُّ علينا في كل سنة من سنيين الإختفاء، بعباءتك وعمِّتك، وقسمك ولكنتك القريبة من قلب كل لبناني، وخاطفك في نعش الشعب الذي أسقطه نار غضبه من قبل أن يحترق في نار ذنوبه..