أنَّى توجهَّت، فثمَّ وجه صحراء كربلاء، وأنَّى يمَّمت شطر الأرض، فثمَّ رمل نينوى، وأنَّى ضربت بطرفك فلوات الأرض لرأيت جياعاً، وعلى صحراء الغاضرية تلقي الشمس رداءً من لهيب، وإذا بصعلوكٍ من صعاليك البرابرة يشوي على حصاها أطفالاً من ورود، وشظفٌ في حزنٍ من رمال زينب، ورملة، وأخريات مع نجيمات الزهر تعلو عليهنَّ غبار حوافر العاديات، وعواصف الريح الهوَّج، فلثمت الأفواه على شفار مهندهم وألسنة الرماح، رجالاً تصرع، وأطفالاً تصرخ وتستغيث، وتهرول بين ذئاب البراري... أما المعذبون في الأرض، تلفحهم صفر الرمال وسمومها، وتضيق عليهم الحياة، فباتوا بالعيش على صحائف السود، والسماء بكت عليهم، والأرض تئن من وجع، والبحر يضجُّ عليهم بالأمواج، فلنجاري من يبكي حسيناً، ولنجاري رملة بضمأها وأنينها، ولنصون الدموع في مثل هذا الموقف لأنها نورٌ تسجل لك يوم الفزع الأكبر...
المظلوم حبيب الحسين (ع)، هل من ناصرٍ ينصره؟ الفقير حبيب الحسين (ع) والمسكين حبيب الحسين (ع)، والمهضوم لحقه حبيب الحسين (ع). والسارق رغيف خبزٍ خصمه الحسين (ع)، قاطع الطريق خصمه الحسين (ع)، الكذاب والنمام والمغتاب والهاتك لأعراض الناس خصمه وعدوه الحسين (ع)، والذي يعتاش على أكتاف الناس ويسكر من عرق الناس لتسكر معه بنو أمية قاطبة إنه (شمَّر) قاتل الحسين (ع)..
إنه صوت الحسين (ع) لا تستغل أخيك، لا تغدر بأخيك، لا تهين أخيك، لا تقطع طريق أخيك، إنه صوت القدر: (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)... إنه صوت الحسين (ع) اطردوا كل بائع يبيع عرق الفلاحين والمحرومين، ونحُّوا كل من يتربَّع على أشلاء العاملين وأكتاف الكادحين، ويلوك الأحلام كوابيس ليمجها في آخر الليل. 
إنه دم الحسين (ع) ثورة على مجتمع آخذ بالبغي والظلم والعدوان.  سيدي يا أبا عبدالله:
(وقفت بموكبك الحياة وسجَّلت / لك في جبين الدهر رمزاً خالداً.
وتنهَّدت لك عن غرامٍ صادقٍ / لمَّا رأتك إلى المنيَّة ناهداً.
ضلَّت مقاييس العقول ولم تزل / ما بين أمواج الحقيقة صامداً.
بسمت لمطلعها فكنتَ لها فماً / وهوت لمصرعها فكنتَ لها فداً..)