عندما تشاهد كلباً يقود سيارة وزير الداخلية "ديفيد بلانكد" في الدولة الكبرى "بريطانية" في  حكومة "طوني بلير" تأخذك الدهشة وينتابك شعور مستغرب من هذا المشهد. هذا الوزير كان ضريراً وأعمى البصر، وكان يجلس في المقعد الخلفي للسيارة، وهذا الكلب يقوده إلى مقعده في البرلمان، يبقى الكلب مرافقاً له طوال الوقت في البرلمان وهو جالس على ركبتيه، وعندما يقف الوزير يلقي مداخلته أو خطابه، يقف الكلب على رجليه ويأخذ الوزير إلى حيث "المنصة" في البرلمان، ويبدأ الوزير بالكلام ويقرأ خطابه من ورقة مكتوبة بطريقة "برايل" للعميان.استطاع الوزير "ديفيد بلانكد" أن يجنِّب بلاده الكثير من الأعمال التخريبية والأعمال التشبيحية والأعمال اللصوصية الإجرامية الإرهابية، ومنع التزوير والفوضى في بلده الذي يسكنه أكثر من ستين مليون نسمة من المبصرين ـ باللغة اللبنانية مفتحين ـ والذي أثبت بصدقه ما جاء على لسان نبينا العربي القرشي محمد بن عبدالله (ص) عن الله تبارك وتعالى في قرآنه الكريم: (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدورـ الحج ـ آية 46) وأثبت أيضاً هذا الوزير الأعمى بفصاحته وفصاحة القول المأثور في أدبياتنا وثقافتنا العربية والإسلامية (إنَّ العمى هو عمى القلب لا عمى العيون).

 
عندنا في لبنان، لا يتجاوز عدد سكان هذا البلد لبنان ـ ستة ملايين نسمة ـ يوجد في حكومته أكثر من عشرين إلى ثلاثين وزيراً ـ كلهم أُبَّهة ومفجرين عيونهم وطازة لبرا من حدة البصر ـ ويوجد في مجلسه النيابي ـ مئة وثمانية وعشرين نائباً ـ كلهم ـ مفتحين ـ العيون والجيوب والعقول الخارقة والأُبهة والنيافة والسيارات التي ترافقهم في حلهم ورحلهم وترحالهم. في الواقع هذه الحالة تثير الشفقة عليهم وعلينا كشعب نرزح تحت نيران الفقر والعوز، ونيران التسلط والبلطجة، ونيران الذل والقهر، ونار المواكب النيابية والرئاسية والوزارية، وحياتهم وحياة أولادهم ونسائهم وأصهرتهم، الغادية والآبية، من دون أن يقضوا على الأوضاع المزرية والمتردية على كافة المستويات الحياتية والاقتصادية والمعيشية والمرضية التي طالت وتطال معظم الشعب اللبناني، والناتج عن ذلك تراجع لبناني على مستوى الدولة في كل شيء ما عدا البطالة والحاجة والفقر بازدياد دائم ومستمر وأبدي، ومع هذا كله، فمعظم الشعب اللبناني لا يعرف أسماء النواب سوى مطرقة المجلس. 


في الجانب الآخر، نشاهد وزير الداخلية الضرير في بريطانيا مع كلبه المتوسط الحجم، بسيارة عادية بدون مرافقة ولا مواكبة، فقط يقوده الكلب الوفي له ولشعبه ولدولته، ومع ذلك ترى هذا الوزير ساعة تشاء من دون أخذ موعد مسبق لأنه مواطن عادي مثله مثل أي مواطن في بريطانيا، وأيضاً أنت لست بحاجة لزيارته لأنك مواطن تصلك كل الحقوق، ولست بحاجة لأخذ صورة معه، أو صورة ـ سيلفي ـ لكي تباهي به قومك وبنيك أنك ذات شأن، كما هي العادة في لبنان، كي يحترمك الأخرون لأنك تعرف الرئيس علتان والوزير الفلتان والنائب العميان، والحج المسؤول الأزوط الخرفان. وبالفعل لو كان هذا الوزير البريطاني في المجلس النيابي اللبناني لستهزؤا به مع معظم هوام الشعب اللبناني، ولأسموه الوزير "بوكلب".
الشيخ عباس حايك