سأبدأ بالتساؤل وأسير ضد التيار السائد، من أن مشكلة لبنان في أن يكون له رئيس للجمهورية، أو رئيس مجلس نيابي أو رئيس حكومة؟
 للأقل منذ أربعين  عاماً ونحن واقفون أمام ديكور جميل، والديمقراطية المزعومة التي يتباكون على فقدانها ليل نهار، هي مجرد وهمٍ وخيالٍ من صنعٍ ساسة سماسرة وتجَّار أزماتٍ ومتعهدي قتل وفقر وحرمان، لبنان هو بلد طائفي تقليدي، ولم يحكم هذا البلد منذ كان أو وجد، إلاَّ بتقسيم السلطة بين مجموعة من القبائل والطوائف والعشائر، والمجتمع فيه ينتمي بأغلبيته الساحقة إلى تنظيمات وحركات ومفاهيم فوق الدولة وفوق القانون، أو إلى تكوينات وكونتونات ومزارع أقل من الدولة، كالقبيلة والعشيرة والعائلة والطائفة، فالكل يتصرَّف بهذا البلد على شكل تكتلات وكتل، لا كأفراد ولا كمواطنين، من "راسو ل ـ ساسو"
 
 نحن في الواقع نعيش مجتمعات طائفية بامتياز بتركيبتنا وتمثيلنا الطائفي في البرلمان أو في الوزارة، نعم، يبدو هذا المشهد رائعا وجميلا يطفو على السطح فقط، وأما المواطنة كنظام وإطار مؤسساتي وقانوني ينظم حياتنا ومستقبلنا وحياة المجتمع والأفراد بشكل عام، فكلنا يعلم ويتيقن جازماً بأنَّها ليست من قاموسنا السياسي، وليست من ثقافتنا الفكرية، وليست من أدبياتنا وسلوكياتنا في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، نحن في الأساس عندنا في "سويسرا الشرق" لبنان الأوروبي بشعاراته الرنَّانة، وبزعامته الموهومة والمزعومة، هي الهوية، والقبيلة، والتنظيم، والطائفة، والقوم والعشيرة.
 
 نحن نعيش في بلد لا تصلح فيه الحريات والديمقراطيات لمجتمعٍ بزعامته الهرمة والمُسنَّة والتي تتصرف ضمن كتل عشائرية وطائفية، ولهذا نحن نعيش حالة كبيرة من التخلف التي طغت فيه المصالح الطائفية والشخصانية على المصالح الوطنية التي تخدم الجميع، وأيضاً تحوَّلنا إلى أرقامٍ في مجموعات طائفية، من أن نتحوَّل إلى أفراد تعيش المواطنة والحرية والحقوق والمساواة. إنه بلد يعيش بعناوين ومظاهر حداثوية، إلاَّ أنه من أكثر النظم السياسية تراجعاً وتخلفاً، والدليل على كل هذا، من أنه وبمجرد أية أزمة تصيبه أو ما حكته مصيبة فإنه يعود سريعاً إلى سيرته الأولى.
 
لقد آن لنا أن نتخطى هذه الأسوار التي طوَّقتنا وتلك القيود التي كبَّلتنا، وكبَّلت عقولنا تحت شعارات لا تتقن إلاَّ عشق الألوان ومصدرها المعرفي الوحيد هو الألوان لأنَّ غالبيتنا لا تقرأ، فالهوية ليست مرَّة واحدة تمرُّ عليك أيها اللبناني وإلى الأبد، وإنما هي عملية تاريخية ومعرفية وابتكار دائم، ولهذا فإنَّ الإنسان هو من يصنع الهوية ويبدعها وينظمها ليعيش ضمن إطار النظام والقانون، وإلاَّ ستبقى أزمة الهوية التي نعيشها في ظل التجاذبات مقابل المواطنة المزعومة في لبنان هي مجرَّد وهمٍ لإرضاء طموحات صغيرة ورخيصة.