إنَّ عملية النقد ومراجعة الحسابات والإخفاقات لهي شبه مفقودة من أدبياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية ـ بحسب مفهوم الإمام موسى الصدر ـ يجب أن يكون هو المُطهِّر والمُنظَّف لكل الكوارث والآلام والأوجاع التي تحاصرنا، وما زالت كذلك حتى السقوط في الهاوية، فإن لم تعالج بالمراجعة والنقد لما حلَّ في بلدنا ومجتمعنا، فهذا يعني اختفاء المرض داخل جسد المريض، وهذا ما سمَّاه الصدر بالموت السريري أو الموت بلا رجعة.
 

قالها السيد موسى الصدر: (..على المسؤولين أن يعرفوا واقع الشعب والأرض والتاريخ، ويضعوا النظام الجديد على أسس هذا الواقع، وإلاَّ فالكوارث تتجدَّد والمستقبل يظلم...). 
بعد أن اجتهد الإمام الصدر بتأسيس نشاطه وحركته من المجلس الإسلامي الشيعي، وتأسيس حركة المحرومين، قال: (لأننا نؤمن بالله ونعرف أنَّ الذي لا يهتم بأوضاع المحرومين هو كافرٌ به، هو مُكذِّبٌ بالدين بحسب النص القرآني... ولأننا نؤمن بلبنان وطناً عزيزاً يجب علينا صيانته ومنعه من الإنفجار ونعرف أنَّ التصنيف والظلم قضيا على بلاد كثيرة ولا نريد أن نرى وطننا ممزقاً منفجراً من الداخل...) 
إنَّ من أهم مرتكزات هذا القائد هي الشفافية وممارسة (نقد الذات) لأنَّه يعتبر من أهم عناصر البقاء والتقدم وعدم التراجع والجمود الذي يؤدي إلى الفشل والإنهيار ـ سواء على مستوى دولة أم على مستوى حركات ومؤسسات ـ هو (النقد الذاتي) بعد كل مرحلة، أو بعد كل كارثة، من أجل تحسين المرض الذي يصيبها، فهي أشبه بحالة (التطبب) من الأمراض، وإلاَّ فهي تعيش على حافة الهاوية... لذلك، كان يعتبر أيضاً من أنَّ التجربة وأخذ العبرة من أية مرحلة تمرَّ بها الحركات والمؤسسات داخل الدولة أو من خارج الدولة نحو الركود أو التراجع، بالإضافة إلى النقد الذاتي والموضوعي، هو عدم المخاطرة بمستقبل الأجيال على حساب إيديولوجيات لا تحمل مشروعاً لحماية الناس بقدر ما تحمل فقاقيع هوائية لا يصل منها إلاَّ بعض رذاذ لا تبني دولة ولا تبني مؤسسة ولا إدارة من دون أن تحرِّك أي ساكن في سبيل تغيير هذه الثقافة وزرع ديمقراطية بحيوية فاعلة، ولهذا كان ينظر بتجربته إلى نهاية كل نظام أو مؤسسة أو أي تنظيم إن لم تخضع كل برامجها لمشغلات النقد الذاتي الموضوعي، فإنها لم تستمر والنهاية كارثية على كل الأصعدة، إيماناً منه بأنَّ الممارسات من جميع الفئات في عالمنا العربي والإسلامي تقوم على تأويل اجتماعي ثقافي (وصولي) من أجل الحكم والسلطة  والوظيفة، وهذا ديدن أكثر التنظيمات والأحزاب التي تشترك بحبك وسبك عبارات وبرامج خارجة عن الواقع التي تعيشه الناس، فحين تمسك هذه المجموعات بالحكم وتلابيب الدولة تصبح هي الدولة وهي القانون وهي الدستور، والدليل ما نعيشه اليوم من أزمات وويلات وانهيارات ـ بالجملة والمُفرَّق ـ فإنَّ عملية النقد ومراجعة الحسابات والإخفاقات لهي شبه مفقودة من أدبياتنا السياسية  والاجتماعية والثقافية ـ بحسب مفهوم الإمام موسى الصدر ـ  يجب أن يكون هو "المُطهِّر والمُنظَّف" لكل الكوارث والآلام والأوجاع التي تحاصرنا، وما زالت كذلك حتى السقوط في الهاوية، فإن لم تعالج بالمراجعة والنقد لما حلَّ في بلدنا ومجتمعنا، فهذا يعني اختفاء المرض داخل جسد المريض، وهذا ما سمَّاه الصدر بالموت السريري أو الموت بلا رجعة.
 أعادك الله سيدي موسى الصدر كي ما تتسع كوارثنا وتكبر طوائف المحرومين في بلدٍ تتسع فيه طرقات الحارمين وشوارع الحرمان....