إنَّ الله تعالى يُحب إدخال السرور والسعادة والفرح على قلوب الناس (فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضلٍ وأنَّ الله لا يضيع أجر المؤمنين) آل عمران ـ 170 ـ 171. ونحوها من الآيات الكريمة كثير، بالإضافة إلى الروايات والأحاديث الواردة في هذا الخصوص. وفي المقابل هناك آيات تشير أنَّ الله تعالى لا يحب الفرحين، وهذا مما يدعو إلى أنَّ لغة القرآن الكريم في نصه، بحيث نفهم المعنى من القرآن نفسه من خلال السياق والمعنى المراد من اللفظ، والنص القرآني هو رفيع المستوى من الناحية الفكرية والعقلية المجردة، ألم تستطع اللغة العربية من خلال القرآن الكريم التعبير عن أكثر المضامين تجريداً عن الأمور الحسية؟ أي الفطرة والطبع في حياة العرب هي ميزة رائعة في اللغة العربية، والتي كفلت لها التعبير بمرونة كافية لتطور حياة الإنسان مع زمانه ومكانه، وهذا كافٍ لاستمرار اللغة في الحياة والعطاء، حتى إذا ما جاء عصر التدوين، تمَّ تقفيل اللغة فهربت الفطرة وذهب الطبع، ووقفت اللغة عن الاستمرار والتطور. 

 

إنَّ لفظ كلمة (الفَرَح) في القرآن الكريم تأتي على ثلاثة أوجه، بحسب علم (الوجوه والنظائر في القرآن العظيم ـ مقاتل بن سليمان ـ المتوفى سنة 150ه) 


الوجه الأول: الفَرَح، يعني: البطر والمَرَح، فذلك قوله تعالى (لا تَفرَح إنَّ الله لا يُحِبُّ الفَرِحِين) القصص ـ آية 76. يعني: لا تبطر ولا تمرح إنَّ الله لا يحب ـ البطرين ـ المرحين، المتجاوزين للحدود والمتكبرين على غيرهم. ونظيرها في سورة (هود ـ 10) قوله تعالى( إنه لَفَرِحٌ فخورٌ) يعني: لبَطِرٌ فخورٌ. وفي سورة (غافر ـ 75) قوله:(بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق) يعني: بما كنتم مرحين بطرين بالخيلاء والتكبر.

 

الوجه الثاني: الفَرَح، يعني: الرضا، قوله في سورة(الرعد ـ 26ـ وفرحوا بالحياة الدنيا ـ يعني: رضوا بها ـ وما الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ متاع). وفي سورة (الروم ـ 32 ـ كلُّ حزبٍ بما لديهم فَرِحون) يعني: راضون. وفي سورة (غافر ـ 83 ـ فَرِحوا بما عندهم من العلم) يعني: رضوا. 


الوجه الثالث: الفَرَح، يعني: الفَرَح بعينه، قوله تعالى في سورة( يونس ـ 22 ـ حتى إذا كنتم في الفلك وجَرَينَ بهم بهم بريحٍ طيبةٍ وفَرِحوا بها) يعني: الفرح بما هو فرحٌ بعينه.

 

ولذلك يقولون من أنَّ اللغة تتلقى قبل أن ترسل أوانها وتأخذ قبل أن تعطي، وعلى كل الأحوال، فإن أخذ اللغة وعطاءها في محيطها البيئي الخاص، وجهان لحقيقة واحدة، وهي أنَّ لكل لغة في العالم تصورها الفكري الشعوري الخاص، والذي هو متميز بغير شك عن التصور الفكري الشعوري لأية لغة أخرى.