يُقال بأنَّ ابن عمر رأى الإمام الحسين (ع) أثناء خروجه على يزيد فقال له: "أناشدك الله يا 0أبا عبد الله أن لا تفرِّق جماعة المسلمين". فقال الإمام الحسين (ع) له: "والله يا ابن عمر، لو كان أبوك حيَّاً لنصرني".

ويقال أنَّ "محمد بن الحنفية، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير" أشاروا عليه بالإمساك وعدم الخروج والذهاب إلى الكوفة ـ بحار الأنوار ـ المجلسي ـ ج 44 ـ ص 264. كتاب اللهوف على قتلى الطفوف ـ ابن طاووس ـ 53 ـ 56. نلاحظ رأيين مختلفين ومتناقضين، أحدهما يفسِّر الدِّين بأنه وحدة الجماعة، والآخر يفسِّره بأنه ثورة على الظالمين. هذان الرأيان نلاحظهما على مر العصور، يقول الدكتور علي الوردي: " فدعاة السلاطين يدعون إلى وحدة الجماعة، بينما يدعو المعارضون إلى مبادئ العدالة والمساواة، وما يلفت النظر أن الأنبياء كانوا جميعاً من أصحاب الرأي الثاني ـ مهزلة العقل البشري ـ ص 195. يقول القرآن الكريم: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" البقرة:213. 

 

 

وقال تعالى: " ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكنَّ الله يفعل ما يريد" البقرة: 253. قال القرآن ذلك جواباً لقريش حين اتهمت النبي محمد (ص) بأنه فرَّق الجماعة، وهذا الجواب يشبه جواب الإمام علي (ع) حين اتهمه معاوية بأنه فرَّق جماعة المسلمين، ومن الغرائب التي يجدها الباحث في تاريخ تلك الفترة، أنَّ معاوية عندما خرج على الإمام علي (ع) كان يقول بأن جماعة المسلمين بجانبه وأن علياً (ع) هو الذي خرج عليه. كتب معاوية إلى الرسل الذين أرسلهم الإمام علي (ع) إليه: "أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة. فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا.

 

 

 وأما الطاعة لصاحبكم فلا نراها..." كتاب الدولة الأموية في الشام ـ ص 13 ـ 14 ـ  أنيس النصولي. ومما جاء في جواب الإمام علي (ع) إلى معاوية: "أما بعد. فإنا كنا نحن وأنتم على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرَّق بيننا وبينكم أنَّا آمنَّا وكفرتم، واليوم أنَّا استقمنا وفتنتم.." محمد عبده ـ نهج البلاغة ـ ج 3 ـ ص 134. يصح القول هنا، توجد طائفة جماعة وطائفة عدالة، والإمام علي (ع) هو الإمام المفترض الطاعة واستقامة المبدأ الذي يسعى من أجله، إنه العدل. هذا هو المبدأ الذي جاء به الأنبياء والأئمة (ع) والكتب السماوية والأديان والقرآن الكريم من أجل مقارعة الظالمين والناهبين والسارقين الذين عثوا في الأرض فساداً وظلماً وعدواناً، تلك هي سنة التطور الاجتماعي، فلا بد للمجتمع المتطور من أن ينقسم الناس فيه إلى فئتين: فئة محافظة وأخرى معارضة. إنَّ كل داعية من دعاة الإصلاح لا بد أن يفرِّق بدعوته الجديدة جماعة الأمة، كي يجمعها من جديد على قاعدة جديدة ـ قانون جديد ـ نظام جديد ـ ولهذا وجدنا كل حركة اجتماعية في التاريخ بانية وهادمة في آنٍ واحد، فهي تهدم النظام القديم لكي تحل محله نظاماً جديداً أقرب إلى روح العدل مما مضى..