كل أحزاب لبنان وبالأخص الدينية منها، ساهمت بتحطيم هذا البلد وبتحطيم ما يُسمى بدمقراطيته الركيكة والهشَّة، واستغلوا انبياءه الصالحين، الذين لم يبغلون دين الله بصولجاناتٍ من ذهب، ولا بعمائم من حرير.
 

كأنه هو، اليوم الموعود،" فإذا جاءت الصاخَّة، يوم يفرُّ المرء من أخيه، وأُمِّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكلِّ امرئٍ يومئذٍ شأنٌ يُغنيه". والصاخَّة من أسماء يوم القيامة، ذكرها كتاب الله في أكثر من آية، كأننا نقترب منها، بل نحن نعيشها، لست واعظاً، ولا بصدد موعظة دينية، كما اعتادت عليها وعاظ أحزاب الله، الذين يملكون مفتاح الجنة، ويعطون صكوك الغفران، ويؤمُّون هذا الشعب العظيم إلى مأواه ومثواه الأخير،

ويحفرون في تربته من كل الجهات، حتى يحكمون ردمه في قاعٍ سحيق، هذا الشعب الشريف العظيم، يتعب ويشقى في كل يوم، ثمَّ يذهب إلى بيت من بيوت الله، ليشكر الخالق، ويشكو حزنه وهمه ليريح قلبه، وها هم رجال الله من السياسيين والدينيين في السلطة، يبيعوننا ويشتروننا قبل أن يفهوا ويشعروا بفقرنا ووجعنا ومرضنا، وهم يعيشون داخل محمياتهم وأبراجهم الخمولة والمحمية من البطالة والديون، وثمَّة أناسٍ منهم ومن حواشيهم وغواشيهم وهوامهم، يكسبون من دون أن يعرق لهم جبين، وهم يعيشون على عرقنا وتعبنا، كسوسة الشجرة، التي تعيش من ماءها وماء الحياة، فلا الخوري ولا المطران ولا الشيخ ولا السيد عندهم مفتاح الله،

 

ولا هم بموزعي صكوك الغفران الإلهية، بل هم يحتاجون إلى شفاعة وواسطة لدخول رحمة الله وجنته، باستغلال الذات الإلهية المقدَّسة، بتأسيس أحزاب سياسية ومذهبية وطائفية، فكل أحزاب لبنان وبالأخص الدينية منها، ساهمت بتحطيم هذا البلد وبتحطيم ما يُسمى بدمقراطيته الركية والهشَّة، واستغلوا انبياءه الصالحين، الذين لم يبغلون دين الله بصولجاناتٍ من ذهب، ولا بعمائم من حرير، بل كانوا يقدَّون القديد ويمشون في أسواق الناس، إنها السياسة التي سرقت أحلامنا وأموالنا، وعسعست بعسسها الملتحية التي تجوب بين الناس وفي المناسبات والبيوت من خلال لحاهم الغليظة وشفاههم المتضخمة،

الذين كذبوا على الناس وفقرائهم، إنها السياسة التي أكلت يباس البلد قبل أخضره، وتآكله الحرمان، ودبَّ فيه الجوع في كل بيت وحي وقرية ومدينة، وأهل الحلِّ والعقد والربط، لاهون لا يرفُّ لهم جفن، وأنَّى لهم ذلك، لأنهم يملكون قلوباً متحجِّرة، إرحموا من في هذا البلد، ماذا فعلتم وتركتم لهذا الجيل وللجيل الذي سيأتي، ليذكركم بالخير والمحبة، اتركوا بصمة من بصمات الفرج، ولأولادكم  ذكرى حسنة تؤكد على صفاء دينكم وطينتكم وصفاء طويتكم وصلاح مقاصدكم، لكن للأسف، ولستُ أنا الكاتب، إنَّ الجاه والحظ والمهن المحترمة في هذا البلد، هي وراثية، ولستُ حاقداً.!

 

ولكني محبط وحزين على نفسي وأبنائي وعائلتي وعلى الملايين في هذا الوطن، أنا لستُ فرداً، ولكني أمة مظلومة، وهذا ما يُولَّدُ روح المقاومة ويُعزِّيني نبوعٌ من السعادة، ولكن لا أدري كيف أُسمِّيه..؟ إني أكسب بعرق من الجبين، عرقي وعرق زوجتي، لا بدَّ من العرق. ولكن يختلف (العضو) الذي يعرق بين فردٍ وآخر. كما بدأت، ثمَّة أُناس، في بلد الأجداد، يكسبون دون أن يعرق لهم جبين. إنه وطن الصاخة.