قد يكون العنوان غريباً بعض الشيء، وللوهلة الأولى يظنه القارئ بسيطاً، لذا أرجوا من القارئ أن يتحلَّى بالصبر والروية ولا تحكم علينا من العنوان قبل أن تفرغ من قراءة المقالة..

إن المشكلة الحقيقة تكمن في قراءة التاريخ، وهنا لا نريد أن ندخل في تفصيلات الصراع القديم بين الإمبراطورية الكسروية الفارسية والإمبراطورية الرومانية البيزنطية، وظهور العرب المسلمين فجأةً على مسرح التاريخ، وما فعلوه من سقوط الإمبراطورية الكسروية وزعزعة الإمبراطورية البيزنطية، فكان الصراع الفارسي والبيزنطي هو السيطرة على الشرق الأوسط، وهذه المواجهات والصراعات بين الإمبراطوريتين الكبيرتين، تارةً تتم وجهاً لوجه، وتارةً أخرى تتم عبر الوسائط والحلفاء، تماماً كما كان العرب القحطانيين بعد سقوط سد مأرب هاجر العرب "المناذرة" إلى العراق واستطاعوا من تكوين إمارة لهم، وكانت تدين بالولاء للفرس، وأبناء عمومتهم "الغساسنة" هاجروا إلى جنوب الشام وأقاموا إمارة لهم تدين بالولاء للروم، فتحارب أبناء العمومة بالوكالة عن أسيادهم الفرس والروم، وكانت تقع المواجهات في مناطق النفوذ، التي هي الشام والعراق وآسيا الصغرى..

هذا ما نقله لنا التاريخ من هذا الصراع بين الفرس والروم والعرب الغساسنة والمناذرة... تماماً هذا ما يحصل اليوم، وبدأت ملامحه في منطقة الشرق الأوسط بين أمريكا "ترامب" التي تجهل التاريخ وتجعل منه فقط متاحفاً "أنتيكية" ولا يعنيها ثقافة التاريخ والدور الذي تستفيده منه، لأنَّ الثقافة الأمريكية اليوم تعني أنَّ التاريخ أصبح في المتاحف والقبور، وأنه أصبح ميتاً لا يُستفاد منه، ومن ماتَ فاتَ، ومن فاتَ أصبح غير موجودٍ لا يمكن الإستفادة منه شيئاً..

لماذا هذه الثقافة.؟ لأنَّ الإدارة الأمريكية تعتمد اليوم على فائض القوة العالمية التي تمتلكها اليوم، نعم القوة الإقتصادية تفرضها أمريكا، وتفرض القوة العسكرية، لكن هل تستطيع أن تفرض قوتها على الثقافة الإيرانية الفارسية الكسروية من قبل، واليوم الثقافة الإيرانية الشيعية..؟

هذا ما سأقوله لك أيها القارئ باختصار: إنَّ ثقافة التاريخ عند العرب والمسلمين تعني لهم اليوم ثقافة الحاضر، فالشخص التاريخي عندهم لا يمكن تجاوزه لأنه هو الأكثر حياةً ووجوداً، هذا بالإضافة إلى ثقافة الأديان في الشرق ومهبط الوحي وبعث الأنبياء، وبداية الحضارة الإنسانية بما تعني هذا الكلمة عندهم، من مخزن وتخزين للطاقة الحيوية والدينية،ومن ثم التفاني في سبيلها والحصول على الجهاد في سبيل الأمة ومصلحة المجتمع، وهذا التفاني في تاريخ العرب والمسلمين هو إرضاءاً وتضحيةً في سبيل الله تعالى، ونيل إحدى الحُسنيين إما الشهادة وإما النصر. فالإنتصار محققٌ في الحالتين..

فهل يمكن القضاء على هذه الثقافة التاريخية والدينية بالنار والحديد.؟؟؟ فإيران الخمينية والخامينئية تعرف جيداً أرضها وتاريخها، وخصوصاً تاريخها الشيعي الحسيني الكربلائي، لهذا فتاريخها مقدَّس، وجهادها مقدَّس، وشعائرها مقدَّسة..

فإيران اليوم هي من الدول الأساسية وركيزة في هذا الشرق الأوسط ـ هذا لا يعني أنَّ غيرها من الدول العربية والإسلامية لست أساساً في هذا الشرق ـ لكن بما أنَّ الصراع بين أمريكا وإيران فكانت هذه النظرة إلى سيطرة إيران في هذا الشرق، وبالتالي هي معادلة بين ثقافتين مختلفتين لا يمكن الإنتصار فيها واحدة على أخرى، من هنا نرجوا من القارئ بهذه الكتابة البسيطة أن يعرف أنَّ إيران اليوم هي كفؤٌ لأمريكا في أي حربٍ جديدة تعرفها إيران الخامينئية وتجهلها أمريكا الترامبية....