كل ما ورد في سيرته وسيرة الأئمة من ولده (ع) هو الحفاظ على أمور الأمة والأوطان وسلامة أمنهم وحياتهم، حتى وصاياهم مع الذين يسبونهم ويشتمونهم كيف كانوا يتعاملون معهم بلغة الرحمة والشفقة والعطف والتسامح، كما ورد في سيرة الإمام علي (ع) مع الخوارج الحاضرين في مجلسه، وأيضاً ما ورد عنهم (ع): "إما سبٌ بسبٍّ، أو عفوٌ عن ذنبٍّ".. "ولأسلِّمنَّ ما سلمت أمور المسلمين"..
 
وفي سيرة ولده الإمام الحسن (ع) مع الرجل الشامي الذي تعرَّض له بالشتم والسبِّ واللعن، فما كان من الحسن (ع) إلاَّ مقابلته بالإحسان والصفح والعفو وحسن الضيافة، فما كان من الرجل الشامي إلا الإعتذارعما صدر منه، قائلاً له: "والله الذي لا إله إلا هو إني دخلت المدينة وليس لي على وجه الأرض أبغض منكم، وها أنا أخرج منها وليس على وجه الأرض أحب إليَّ منكم وإني أتقرب إلى الله سبحانه بحبكم ومودتكم وموالاتكم والبراءة من أعدائكم، فالتفت الإمام إلى أصحابه قائلاً: لقد أردتم قتله وهو بريءٌ لأنه لو عرف الحق ما كان ليعانده.. ثم قرأ قوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، إدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم"...
 
وأيضاً ما ورد في سيرة مولانا الكاظم (ع) مع أعدائه، فكان دائماً شعارهم قول الله تعالى "إدفع بالتي هي أحسن"..
 
وبالتالي فإن سيرة أئمتنا (ع) هو السير نحو التسامح والصفح وإلقاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده وبطشه وظلمه، وسار على هذا النهج علماؤنا وفقهاؤنا وخصوصاً في زماننا أمثال الإمام محسن الأمين والفقيه محمد جواد مغنية والإمام موسى الصدر، وغيرهم من الأجلاء رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين على هذا النهج والسير على طريق القرآن الكريم وسيرة نبيه الكريم وأئمته الطاهرين، فإذا سرنا وتحركنا في هذا الخط وسعينا للإقتداء بالأئمة (ع) على مستوى الأخلاق والمسؤولية ونكران الذات، والعشق للفضيلة فنحن من أتباع طريق الحق، وإلا فلا..؟
 
وإن قلنا ألف مرة "شيعة شيعة" ورددنا الشهادة بأن علياً وليُّ الله، في عباداتنا وصلواتنا ورفعناها في المآذن والمساجد والحسينيات ومكبرات الصوت، وبكينا على رسول الله (ص) وابنته فاطمة (ع) وذرفنا الدمع على الشهيد المظلوم الحسين الطهر (ع)...
 
وفي المقابل أيضاً فإن أهل السنة هم أتباع سنة رسول الله (ص) ومحبتهم ومودتهم لآل بيت النبي (ص) وفي كلام علمائهم وفقهائهم الكرام من أنَّ مودتهم فرض وحسنة، كما قال الإمام الشافعي (رحمه الله) " بآل محمدٍ عُرِفَ الصوابُ / وفي أبياتهم نزل الكتابُ../ هم حُججُ الإله على البرايا / بهم وبجدهم لا يُسترابُ/... وهكذا الشخص السني إذا سار في خط الحق والفضيلة وابتعد عن الشتم والرذيلة، كان في خط أهل البيت (ع) وسار في اتباع الحق حتى ولو اختلف معنا واختلفنا معه في العقيدة وبعض الأحكام الدينية، وحتى الذي يخالفنا  كمسلمين من حيث الدين والعقيدة فإذا سار في اتباع الأخلاق والفضيلة فيكون من الذين يسيرون نحو الصواب على هذا الأساس..
 
وبعبارة أخرى: إن الدين لا يمكن أن نعرفه من خلال الأقيسة والإستحسانات والأدلة العقلية، بل من خلال العقيدة على مستوى العمل والممارسة وتغذية عنصر القيم والأخلاق في واقعنا ومجتمعنا، لهذا نحن نؤمن ونحب الإمام (ع) ونقتدي به لا لأنه ابن عم النبي (ص)، أو لأنه زوج البتول الزهراء (ع)، بل لأنه طلب الحق وسار في نهج العدالة والإيمان بالله تعالى، فهذا هو المعيار الحقيقي للولاء والإتباع، لأنها تنعكس بالسلوك والعمل، وتتجلَّى من خلال الممارسة الأخلاقية في حركة التفاعل الإجتماعي في أوطاننا ومجتمعاتنا وفي الإنسانية جمعاء، وإلا سوف نبقى نعاني من جفاف الروح وتردي المعنويات وضياع الأخلاقيات، ولم تنتج إلا التضخم في مؤسساتنا الدينية وتراجع في الذهنية العقلية، فحينئذٍ يبقى أمامنا التقليد الأعمى الذي ذمه القرآن الكريم، وسيرة النبي (ص) وسيرة أئمة أهل البيت (ع)، هو تقليد الأباء والأجداد، قوله تعالى: "بل قالوا إنَّا وجدنا آبائنا على أمةٍ وإنَّا على ىثارهم مهتدون".