نحن أمة نعيش بلا طرقات وبلا كهرباء وبلا ماء وبلا إستشفاء وبلا مدارس وبلا بيوت وبلا تأمين الحد الأدنى من العيش
 

على امتداد مساحة الوطن العربي والإسلامي ، الكرامة موجودة في معظم تصريحات السياسيين ،وفي خطب ومواعظ الدينيين عند أي منعطفٍ سياسي أو عند أي استحقاق انتخابي برلماني ورئاسي على الصعيدين الديني والسياسي.
 إنها محيرة مسألة الكرامة في اللغة السياسية العربية والإسلامية، والجماهير تصفق وتصرخ كرامة الأمة وكرامة العرب والمسلمين، والملاحظ أيضاً أنها ترد في اللغة السياسية والدينية ومرتبطة بمجموعة من المفاهيم الأخرى، كالإسلام، والرجولة، والتاريخ العريق والأرض والفضاء والحجر والشجر والمياه، والحيرة أيضاً رغم كل هذه الإجتهادات في أدبيات الخطاب بشقيه الديني والسياسي، فالنتيجة أنَّ الكرامة مفهوم غير واضح ولا نرى لها أي قيمة فعلية وعملية ملموسة في حياة الجماهير المليونية.
على سبيل المثال في لبنان ما هي الكرامة؟ كرامة من؟ الرئيس أم كرامة الناس؟ كرامة الدولة؟ من هي الدولة وما شكلها وشكل كرامتها ؟ هل هي تشبه كرامة الناس أم كرامة المسؤول أم كرامة النائب أم كرامة الوزير أم كرامة الأحزاب؟ هل تجرأ أحدنا وتساءل عن معنى ومفهوم الكرامة؟ في الأدبيات السياسية نحن أمة نعيش بلا طرقات وبلا كهرباء وبلا ماء وبلا إستشفاء وبلا مدارس وبلا بيوت وبلا تأمين الحد الأدنى من العيش، ونعيش بإذلال على أبواب المدارس والمستشفيات وأبواب الدوائر الرسمية وغير الرسمية، ونحن أمة نعيش كل هذه البلاءات والبلى والبلاء، ولكن لا يمكن أن نعيش بلا كرامة؟ أما الذي لا يمكن للمصفق اللبناني أن يلمسه ويشعر به هو حياته البائسة ودخله البائس الذي يوشك أن يحوجه للتسوُّل وربما لأعمال غير شرعية، لا يستوعب أنَّ ذلك جارحاً للكرامة بكل معنى الكلمة.

إقرأ أيضا : لم يحضروا تشييعك يا عقل لأنهم ملتهون بتشييع ضمائرهم
لم يعد خوفك من أي سلطة مفروضة في واقع الأمر أن تسحق حريتك أو تتهمك أو تزجك في غياهب النسيان من دون أي سببٍ يؤذي شرفك وعرضك وكرامتك. هل تشعر بأن كرامتك متعلقة بغبار لافتة أو يافطة؟ أليس الأفضل أن ننفض هذا الغبار والتفرغ لشيء ينفع حياتنا ومستقبل أولادنا؟ باختصار إن إختزال معنى ومفهوم الكرامة بهذه الرموز والرمزيات المطاطية ما هي إلا ملهاة للمواطنين عن حياتهم المعدومة والبائسة تحت هذه المسميات، إلا أنَّ السواد الأعظم من المواطنين مستمرون في شراء هذا الصنف ويكرهون وينبذون من ينبههم ويحذرهم منها.
وفي واقع الحال فالكرامة تبنى بهدوء وروية وتلتمسها في  مظاهر حياتك اليومية ويصعب إختزالها بكلمة أو شعار، ويصعب أن تضعها على مسرحٍ خشبي وتنشد لها الأناشيد الصادحة من حناجر الرجال.