تابعتُ بإهتمامٍ بالغ إستقالة باب الكنيسة الكاثوليكية وانتخاب البابا فرنسيس الأول،الأمر الذي أدهشني وأعادني إلى السيرة الإعتيادية في إختيارات المركز الديني وخاصة في مجاله الإسلامي..بالتأكيد هناك تطور فعلي أمسك بلبِّ الدولة البابوية كي تعبِّر وفي كلِّ مرحلة تاريخية عن مستجدات أساسية في سياساتها وعن متابعتها لتطورات الفكر الغربي وخاصة في إتجاهاتها السلطوية...أن يستقيل البابا تاركاً عرش الكنيسة صدمة حقيقية لكبار وصغار السياسيين والدينيين المتمسكين بكراسي من خشب وهم جاهزون للقتل والقتال والتقاتل من أجلها،وأن يتمَّ الإختيار لبابا آخر بطريقة غير إكراهية كما يجري عندنا في الجمعيات الخيرية والمجالس المحلية هي تجربةٌ تستحق التوقف عندها والتمادي في مرآتها علَّنا نهتدي إلى سبيل الرشاد...في ذاكرتنا الكنسية تجربة سوداوية أسهمت في سلب الناس لحقوقهم وفتكت بهم وبأملاكهم ومارست أسوأ أنواع الجور طيلة تحكُّم الدِّين في الدولة، وبعد الإستفاقة الأروبية مع الثورة الفرنسية وحركات الإصلاح في الجسم الكنسي تمَّ إخراج الكنسية من الدولة وتحوَّلت شيئاً فشيئاً إلى كنسية ناهضة ومتطورة ومحطِّمة لأصنام النصوص التي إتكأت عليها لقرونٍ وجعلت منها أسوأ سلطة بإسم المسيح...من هنا فلا شك بأنَّ الدولة البابوية الآن هي ثمرة الفكر الغربي لذا لم نتفاجأ بالخطوة التي إتخذها بابا "روما" ولكن صدمنا واقعنا المتخلِّف والغير ملتحق بهذه القِيَم الإنسانية فهالنا ما نرى من تمسُّك دينيين وسياسيين بمواقع ومراكز لا يغادرونها إلاَّ بوسائط الموت أو القتل أو الإنقلاب العسكري..فرؤوساء الدُّول العربية والإسلامية باقون في الحكم وإن حالت أحوالهم الصحيَّة دون تمكُّنهم من واجب القيام بمسؤولية الحكم. ومراجع المذاهب الإسلامية يبقون في سلطانهم الديني إلى أن يأخذ الله تعالى وديعته وهم يأتون إلى الزعامة الدينية والسياسية بطُرُقٍ غير مشروعة ويبقون فيها إعتماداً على السيوف وسياسات التكفير...لأول مرَّة أشعر وأنا المسلم بأني مسيحي أحترم طريقة الإنسحاب من الزعامة وأخرى في الإنتخاب لموقعٍ لو كان للعرب والمسلمين لَمَا شاهدنا مثل هذا الإستثناء ولرأينا كيف يُذبح الناس كالنعاج وصولاً إلى كُرسيٍّ رسولي..رحم الله البابا بنديكتوس السادس عشر..(الرحمة تجوز على الطيب) وسدَّد الله خُطى البابا فرنسيس الأول في إثراء التجربة الدينية كي يتعظ من لا يتعظ من أهل الدِّين والدنيا.....