الشعب المقاوم غارقٌ من رأسه إلى أخمص قدمه بالفقر والتشحير، وغارق في قضايا التحليل والتحريم والجواز والإباحة والكراهة
 

قد يثير العنوان حفيظة الكثيرين ممن اعتاشوا بعد الفتح على تعب وجهاد الشعب اللبناني بوجهٍ عام، لأنَّ المقاوم ليس محصوراً فقط بحمل البندقية، وإنما ينطبق على الذي يكابد فقره وجوعه وحاجته من أجل العيش ومن دون منة أحد، وأيضاً هو من يحمل هماً لما آلت إليه الأوضاع المتردية في عالمنا العربي والإسلامي، والذي يقف أمام الناهب والسارق وينطق بكلمة صدقٍ في وجه السلطان الجائر.
 هكذا هو حالنا وحال الشعب المقاوم الذي لا يستحق أن يُظلم وتهدر حقوقه من طبقة سياسية ودينية أوصلها جهاده وصبره وتحمله أعباء القهر والجوع والتهجير، حتى في أبسط الحقوق من مياه وكهرباء وتأمين الدواء والأقساط لكي تُحفظ الكرامة، وبعد أن بسطت هذه السلطة بشقيها ـ الديني ـ والسياسي، سيطرتها وهيمنتها برقبة هذا الشعب الشريف لم يعد شغلها الشاغل سوى رفع الشعارات والخطابات ووضع خطط لم يعرف العالم سرها سوى رب العباد.
ما نعرفه من أن السياسة دهاء ومناورة ومكر وفن في الخداع، والدين نعرفه محبة وإيمان وأخلاق ومساواة، لكن إذا تحالف السياسيون مع رجال الدين فيكون الشيطان ثالثهم، وفي واقعنا اللبناني قد تجاوز الطرفان كل الحدود، واختلطت الشعارات واليافطات والمفاهيم، حتى بات وتحول أغلب رجال الدين إلى سياسيين، وأغلب رجال السياسة تحولوا إلى شياطين، فأصبح الدين والإيمان وحتى العبادة إلى شعارٍ خارجي فقط وفقط، بعيداً عن ملامسة الواقع المرير حتى أصبح كأنه لا علاقة له بالإنسان وبحياته وعيشه.

إقرأ أيضًا: رسالة إلى سيد المجاهدين

 واليوم أغلب هذا الشعب المقاوم مسربل بالبؤس والفقر، وأصبح في مهب الريح تتقاذفه العواصف والتكتلات الحزبية من كل اتجاه، ولا يوجد في الأفق بصيص نور قد يعيد إلى أولادنا وحياتنا شيئاً من السكينة والطمأنينة والثقة كي تسترجع أي حلم في المستقبل.
 الشعب اللبناني بمعظمه يستغيث، ولكن لم يتعب السياسيون، ولم تتعب حناجر رجال الدين، وصار هذا وقوداً حياً لكل الأطماع والنوايا، نعم هو ضجيج وصخب وبكاء وفقر وصراخ وشعارات ولافتات غطت الأزقة والشوارع وأعمدة الإنارة والأشجار والأحجار حتى في كل حي وزاروب، بل في كل بيت وغرفة، والعالم مشغولٌ بمصالحه ولا يهمه فقركم وهمكم وجوعكم، ومشغول بمخططاته الشيطانية والجهنمية، من الروس إلى الأمريكان إلى بلاد العرب والعجم، وأهل السياسة والدين عندنا لا خيول عندهم، ويبحثون عن أرصدتهم وأموالهم في بنوك وبورصات أميركا، ونحن وهذا الشعب المقاوم غارقٌ من رأسه إلى أخمص قدمه بالفقر والتشحير، وغارق في قضايا التحليل والتحريم والجواز والإباحة والكراهة، وما بين الطلوعين، ولا حول لنا ولا قوة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، أيها الشعب العظيم.