تكثر الفرق الدينية التي تدعي المهدوية لغايات سياسية
 

منذ القرن الثاني للهجرة أخذت فكرة التشيع تمثِّل مذهباً فقهياً وهو مذهب أهل البيت (ع) وقد تجلى في زمن انبثقت فيه المذاهب الإسلامية الأخرى كالمذهب المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي، وتجلت مدرسة أهل البيت (ع) في زمن الإمام الصادق (ع).

إقرأ أيضا : إكره الشيوعيين هوناً ما عسى أن يكونوا أصدقاءك يوماً ما ؟!
 وهكذا ظهرت المدرسة الفقهية الجعفرية تنتشر بسبب تعاليم وفقه ودروس ومحاضرات مولانا الصادق (ع) على تلاميذه في المدينة المنورة آنذاك، وفكرة التشيع قائمة على أحقية الحكم والخلافة للإمام علي (ع)، هنا لا أريد النقاش حول الخلافة بقدر ما نسلِّط الضوء عليه من أنَّ التشيع هو السير والإتباع على نهج وسيرة الإمام علي (ع) وباقي الذرية المعصومة، القائمة على العدل والمساواة والاحترام للآخر مهما كان دينه وعرقه ولغته، ونصرة المظلوم من بني البشر، وعدم الركون إلى الظالم والظالمين.
 وفي مدرسة أهل البيت (ع) نفي للقاعدة القائلة بأنَّ الغاية تبرِّر الوسيلة، وهنا تجدر الإشارة إلى ما بعد إستشهاد الإمام الحسين (ع) بدأت الأمور تأخذ شكلاً من ردات العنف في العالم الإسلامي وكانت نتيجته المباشرة حدوث ثورات متتاليات أدَّت إلى سقوط الدولة الأموية ومن بعدها المروانية وقيام الدولة العباسية، وكما نعلم فقد حدثت ثورات متتاليات باسم التشيع والدفاع عن الإمام علي والإمام الحسين (ع) كثورة المختار وثورة زيد بن علي بن الحسين (ع)، وثورة مصعب ابن الزبير وقطف ثمارها العباسيون والتي أطاحت بالخلافة الأموية في المشرق الإسلامي إلى الأبد، وأيضاً أبو مسلم الخرساني كان يدعو لأهل البيت (ع) إبان القيام بثورته ولكنه انحاز إلى العباسيين في قصة معروفة جاء ذكرها في كتب التاريخ.

إقرأ أيضا : عقل معاوية مصدر ثقافة الإسلاميين
واستمر التشيع بهذا الشكل إلى زمن الإعلان الرسمي لغيبة مولانا الإمام المهدي (ع) الغيبة الكبرى التي بدأت بمنتصف شعبان (328ه) وفيها انقطعت الاتصالات والسفارات بين الإمام وشيعته،هذا ولم تخل فترة السفارة للإمام المهدي (ع) من الاضطرابات والتنافر في داخلها رغم وجود الكثيرين من الذين ادعوا السفارة من الشيعة كقضية محمد بن علي الشَّلمفاني (أعدم 322ه 933م) وأحدثت صراعاً داخل القيادة الروحية الشيعية الإمامية، واللائحة بذكر الأسماء طويلة، ومن خلال ذلك نشطت الجماعات التي لا يمكن حصرها تحت عنوان (المهدوية) أو (المهديين) عبر تاريخ الدولة الإسلامية، وعلى وجه الخصوص الدولة العباسية، فبين فترة وأخرى تظهر جماعة تدعي قرب الظهور وأنها تمهد لخروج الإمام(ع) وأنها طليعة جيشه والداعية لأتباعه، وكان مركز هذه الجماعات والحركات هي (العراق) حتى غدا وكأنه يعيش فترات عباسية قديمة ، تندلع الثورات تحت هذه العناوين، حتى غدت الشيعية إلى حركات وجماعات تمهد للإمام المهدي(ع) تحت قيادات روحية وسياسية، يختلف بعضها عن بعض في السياسة والهدف، وليس غريباً أن تجد مثل هذه الجماعات والدعوات جماهير تلتف حولها وخصوصاً ما يحصل في العراق الذي خلق مناخاً مناسباً لنموها، وما تقوم عليه الكثير منها في إيران وامتدت إلى اليمن ولبنان وربما تستمر إلى كل بلد تتواجد فيها هذه التسميات، ولا نجد غرابة من السلطة السياسية تصبح في مقدمة أهداف تلك الحركات، فقد كتب (رشيد الخيون) حول كثرة هذه الحركات في العراق ( فمن طبائع العامة الانقياد لما يسمونه في خطب المسؤولين وتصريحاتهم وممارساتهم وإن كان المقصود به مجاملة السواد، إلا أنه يصبح تلقائياً واقعاً وقناعات لا تهتز بسهولة، وأخطر ما فيها أنها تُدَس في السياسة، ويتحكم مسربوها بمصائر البلاد والعباد، لكن هناك ما لا يشار إليه، لربما اجتهدت تلك الجماعات في محاولة تحقيقه هو المطالبة بحقوق ضائعة، فأحوال الجنوب العراقي السيئة للغاية تتقبل ذلك الافتراض، في رفع شعار الدعوة إلى الاستعجال بظهور المهدي(ع) هو وسيلة من وسائل الثورة ضد الواقع المرير، ولا أظن أن هناك تربة أكثر خصوبة من ظاهرة لبس الأكفان، وإشاعة الدين الشعبي عبر مناخات بهذه الغزارة وكثرة ظهور المعممين على الشاشات، وهم يدلون بمعلومات وآراء مشوهة للعقل، والحياة المدنية عموماً، وتضرب الألفة المرجوة الآن بين العراقيين عرض الحائط، فماذا تريد من معمم مملوء بفكرة التكفير يتحدث عن أعياد الميلاد المسيحية عبر الفضائيات، أو يظهر معمم آخر مرتدياً للكفن، وكأن أهل العراق لا ينقصهم إلا الإنتحار الجماعي...)..(ـ 100عام من الإسلام السياسي بالعراق ـ الشيعة ـ ).