الكثير من صنف رجال الدين يعيشون في تخمةٍ ومن ثمَّ يُزهدون الناس بدنياهم، لهذا اعذرونا إن خاطبناكم... لم تكن الإمرة والحاكمية والولاية في نظر إبن أبي طالب(ع) حقَّاً يوليه الله بشراً فيستأثر به ويدوم عليه ما شاء هو،وما شاء له ومن يشاء.
 

لا ندري من أي صفة يتَّسع المقام إذا ما حاولنا التعبير أو الكتابة عن إمرة إمامٍ يخضع له الكون بإعجابٍ، وترمقه الدنيا بعين الدهشة والإجلال والإكبار، وتهطع له جميع المخلوقات إنحناءً وعظمةً.. ألزهده وعدله، أو لحكمه وزهده، أو لبلاغته وغزارة فصاحته، أو لخدماته وإنصافه، أو لتململه تململَ السليم، أو لغزارة دموعه على الفقراء والمقهورين والمعذّبين والمشرَّدين والمقموعين، أو لأنه يُقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر...

فهل يحتاج أي كاتب أو باحث أو أي إنسانٍ إن أراد الكلام عن هذه الشخصية أن يستشهد بآيةٍ قرآنيةٍ أو حديثٍ روائيٍّ، أو يحاول الإستشهاد بقول مستشرقٍ غربي أو مؤرَّخٍ تاريخي، ليحدثنا عن عظمة هذا الإمام.. كلا وألف كلا، يا من يحدوثوننا ويطنبوننا ليلاً ونهاراً، سرَّاً وجهاراً، حبَّاً وتجارة، هذه هي الحقيقة يا مراجعنا العظام الذين نكنُّ ونحترم ونحن من مقلديكم، فالكثير من صنف رجال الدين يعيشون في تخمةٍ ومن ثمَّ يُزهدون الناس بدنياهم، لهذا اعذرونا إن خاطبناكم...  

إقرأ أيضًا: لأنَّك من نطفة الشيطان....!

لم تكن الإمرة والحاكمية والولاية في نظر إبن أبي طالب(ع) حقَّاً يوليه الله بشراً فيستأثر به ويدوم عليه ما شاء هو،وما شاء له ومن يشاء..! إنه لا يُطاع إبن أبي طالب (ع) لذاته، بل لأنه يحمل عدلاً ومساواةً ورحمةً ورأفةٍ بخلق الله، أليس هو القائل: "إنَّ الله فرض على أئمة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة الخلق" بهذا القياس بالضعفاء والمساكين والفقراء قاس إمامنا علي (ع)، وهو الحاكم والعادل، فقد شمل حكمه وعدله القريب والبعيد، والعدو والصديق، إنه إبن أبي طالب (ع) الذي يُطاع لتنفيذه للشرائع الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية الخيَّرة، لم تكن حاكميته باباً يلجُّه الحاكم والقاضي والمفتي والشيخ والمسؤول إلى كل الخيرات لينال منها ما يُتخم بطنه ونفسه ومن ثم يُقسِّمها بين الأهل والأبناء والأصهرة والأقارب والمُقرَّبين والحواشي والغواشي والأنصار والخلاَّن والأعوان، إنما كانت في نظره (ع) باباً يلجُّه الوالي والحاكم إلى إنصاف الناس ومساواتهم، والمنع من الإحتكار والإستغلال، ثم توجيه الضمائر والعقول والنفوس إلى الخير ليجعل في نفس الوالي ليكون توجيهاً  في مسلكه وحياته، الم نقرأ في بعض رسائل إبن أبي طالب (ع) إلى بعض عمَّاله قائلاً له:"أما بعد..فلا يكن حظك في ولايتك مالاً تستفيده، ولا غيظاً تشفيه، ولكن إماتة باطل، وإحياء حق.."...

إقرأ أيضًا: حرب جديدة بين إيران وأمريكا

نعم قصدت غدير قم، وغدير النجف، وكل من يتحدَّث بإسم هذا الإمام (ع) لنعرف كيف كانت ولايته على الناس هي إنصاف الجماعة مهما كان معتقدها ومذهبها ودينها، لأنها في نظره لا بالصحابة ولا بالقرابة ولا بالمذهب ولا بالسياسة، لم تكن ولاية إبن أبي طالب (ع) حسباً ونسباً تُشيّد عليهما الأمجاد والزعامات على حساب فقر الناس وتعذيبهم وقهرهم، ولا هي شرفاً لتُبنى له العروش وتتحصَّن بقصورٍ عالية، ويطرد عن أبوابها الضعفاء والمشرَّدون، ولا هي زعامة يتوسَّل بها إلى إستعباد الناس وإذلالهم، لم تكن حاكمية إبن أبي طالب(ع) قهراً لتخضع به الجماعات للقمع وخنق الحريات وقطع الأرزاق، ولا هي للترهيب والترغيب، ولم تكن بُعداً عن الناس وإنصرافاً عن حاجتهم ومآسيهم، ولم تكن إلاَّ ما قاله (ع):"لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين.. لا أريد أن أمهد لذكر فضائل ومناقب هذا الإمام العظيم، بقدر ما أريد أن أقول إنَّ الولاء له هو ولاءٌ للإنسانية والحق والعدالة في هذه الحياة.