لقد أصبتُ بخيبة أمل عندما علقت قي شراكهم وخداعهم، وكنت لا أغادر مجالسهم ظناً مني أنها مجالس علمٍ ووعظٍ لأجمع العلم من أطرافه،والدِّين من مظَّانه، وبذلك أكون القدوة والأسوة الحسنة
 

 حادثة طريفة شهدتها ولاية نيبراسكا الأمريكية،في عام 2007 تقدَّم سيناتور الولاية "إيرني شامبيرس" بدعوى قضائية إلى إحدى محاكم الولاية،ومبررات الدعوى هو أنَّ المدعى عليه هو "القدر" الذي هو المسؤول عن الدمار والقتل، وموت الكثيرين من الضعفاء والمساكين والفقراء، من الذين أصابهم الفقر والمرض والجوع ، في الوقت الذي يمد فيه الزعماء والملوك بالصحة والمال والسلطة والنساء،ليس فقط بولايته وإنما أصابت البشرية جمعاء، غير أنَّ القاضي اهتدى في الأخير إلى الحكم بعدم الإختصاص بدعوى الطبيعة غير البشرية للقدر، ولعدم وجود عنوان ثابت لإستدعائه بقصد الحضور،وللتأكد على الأقل من طبيعته قبل البت في قرار المتابعة أو إخلاء سبيله.

قد تكون هذه الدعوى بنظر الصالحين ورجال الدين والأتقياء، هي منافية لأبسط شروط العقلانية،ولكن ما لفتني كلام للفقيه الشيخ محمد مغنية في كتابه "الإسلام مع الحياة" (إنَّ تفسير القضاء والقدر بالجبر لا مصدر له،إلا مشيئة السادة المعتدين يصيغون منه قيوداً للمسخرين كي يستسلموا ولا يكافحوا وينازلوا قوى الشر والضلال،وقد بايعهم على ذلك الجبناء الإتكاليون من رجال الدين الذين يؤمنون بالجبر، ويحملون على الله ذنوبهم وذنوب أسيادهم،ولا يرضون للناس إلاَّ العبودية والجمود،ولكن الإنسان بما أوتي من عقل،وما فطر عليه من حرية يأبى أن تمتهن كرامته ما دام فيه الروح) إنتهى.

إقرأ ايضا : الحزب الفرعوني...!
 لا أخفي بأنني مررت بأزمة خانقة حول هذه المفاهيم والنظريات التي أقعدتني أسير نص ورواية، تحيل فقرنا ومرضنا الى "القضاء والقدر"  وأن الله يُفقر من لا يصلحه إلا الفقر، وأنه يُغني من لايصلحه إلا الغنى، وأنه يبتلينا بمرض وفاقة، وكأنه يتلذذ بالفقراء والمساكين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ويغدق على الأغنياء والزعماء الدينيين والسياسيين والمسؤولين بما يدهش العقل والبصر،ويمنَّ عليهم بالصحة والعافية وطول العمر، وكأنه لهم وحدهم دون غيرهم، نعم أليس لهم مبرِّر لهذه الملذات تلك الرواية التي ضمنتهم بالصلاح،والأغرب أنهم يوعظون الناس وهم متخمون وخصوصاً رجال الكهنة والكتبة ويدعونهم إلى الصبر لأنَّ الله هكذا قسَّم رزقه وهذه هي مشيئته،وأما بنعمة ربك فحدِّث.

إقرأ أيضا : فَرَمَان ديني...؟
 لقد أصبتُ بخيبة أمل عندما علقت قي شراكهم وخداعهم، وكنت لا أغادر مجالسهم ظناً مني أنها مجالس علمٍ ووعظٍ لأجمع العلم من أطرافه،والدِّين من مظَّانه، وبذلك أكون القدوة والأسوة الحسنة، لقد آخذت على نفسي بالمغامرة والسؤال - وإلى الله المشتكى – فإذا كانت هذه هي مفاهيم القدر والجبر والقضاء فيا لخيبة أملي فإن جميع صلواتي ودعائي ونسكي وخشوعي لا تجدي شيئاً لأنَّه تعالى كتب عليَّ ما كتب،وبقيت في عقدة من لساني وأزمة في موروثي،وتذكرت مقولة "الغزالي" (فمن لم يشك لم ينظر،ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى،والضلالة)   يا رب تاهت العقول في بحار جلالك، وحارت الأذهان في عزة جمالك،وإن من شيء إلاَّ ويسبِّح بحمدك، إن  بلسان الحال، وإن لم يكن فبلسان المقال.