هل يسجّل العهد الجديد أول تجاوز لصلاحيات رئيس الجمهورية بعدم توقيعه على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة؟ سؤال رهن قرار الرئيس ميشال عون الذي لمّح إلى ذلك بسياسة "الفراغ أو قانون جديد" وأوضحها وزير العدل سليم جريصاتي بقوله: "عون لن يوقع الا على أساس قانون يؤمن صحة التمثيل"، في وقت لا تزال الطريق مقطوعة أمام معظم القوانين وآخرها مسودة "المختلط".
لماذا يشكل ذلك تجاوزاً لصلاحيات الرئيس؟ يجيب المرجع الدستوري المحامي حسن الرفاعي "النهار": "ان امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع بعض المراسيم قبل الطائف أدى إلى وضع نص دستوري يلزمه توقيع المراسيم خلال فترة أقصاهاً 15 يوماً، او اعادة المرسوم إلى مجلس الوزراء كي يعود ويؤكد عليه مرة ثانية. ويترافق رد الرئيس مع الأسباب التي ارتآها من أجل الرد. نحن اليوم بالنسبة إلى مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، أمام مرسوم لا يعرض على مجلس الوزراء بل يكتفى لنفاذه أن يوقعه الوزير المختص ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية".
يعتبر البعض ان صراحة النص الدستوري بالزام رئيس الجمهورية التوقيع على المراسيم ضمن مهلة 15 يوماً تعود فقط إلى المراسيم المعروضة على مجلس الوزراء. هنا يرى الرفاعي الاشكالية، "اذ ان رئيس الجمهورية يعتبر أن قانون الستين، في حال لم يجر اقرار قانون آخر للانتخابات النيابية، هو قانون غير دستوري، وبالتالي يجيز لنفسه عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة". ويرد الرفاعي:
"أولاً: ليس لرئيس الجمهورية صلاحية تقرير دستورية القوانين.
ثانيا: لا بد من السير بالانتخابات النيابية في موعدها وفق القانون المعمول به، اي الستين، إن لم يجر اقرار قانون آخر من مجلس النواب.
ثالثا: ان امتناع الرئيس عن توقيع المرسوم يؤدي إلى تعطيل الانتخابات والفراغ في السلطة التشريعية، وهذا أمر يُسأل عنه الرئيس ويمكن محاكمته وفقاً للدستور. كما أن الوزير المختص ورئيس الحكومة في حال جبها بعدم توقيع الرئيس على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، عليهما فوراً رفع الموضوع الى مجلس الوزراء للفصل به".
ويضيف: "اذا سلمنا جدلا بان الرئيس غير ملزم بتوقيع المراسيم التي لا تعرض على مجلس الوزراء نكون قد أعطينا حقاً أو صلاحية لا توجد إلا في الانظمة الديكتاتورية حيث هناك آمر ناهٍ غير مسؤول، هكذا يصبح بوسع رئيس الجمهورية غير المسؤول دستوريا أن يعطل أي قانون لا يعجبه عبر عدم توقيع اي مرسوم مرتبط بالقانون، وهكذا يكون بوسع الرئيس غير المسؤول تعطيل القوانين المقررة من السلطة التشريعية، وبالتالي ضرب استمرارية المؤسسات والسلطات العامة".
ويقولها الرفاعي بجرأة: "إن الزام رئيس الجمهورية بتوقيع المراسيم بمادة واضحة من دستور الطائف أتى كرد على تجاوزات الرئيس قبل الطائف"، منبهاً "كل الغيارى على رئاسة الجمهورية وصلاحيتها، وأخصهم الموارنة، إلى أن أي تجاوز بحجة عدم وجود نص ملزم للرئيس سيقود حتماً إلى اضطرابات ستؤدي حتما في يوم من الايام إلى التضييق اكثر فاكثر على صلاحيات الرئاسة الأولى، وفي ذلك لعب بالنار".
ماذا عن امكان طرح الاستفتاء على قانون انتخاب في حال دخلنا في الفراغ النيابي؟ يجيب: "ان الحديث عن استفتاء خلال الفراغ ناتج من عدم معرفة بالاصول الدستورية. فالاستفتاء في العالم يكون مبنيا على مادة دستورية، ودستورنا لم ينص على ذلك، كما ان الاستفتاء الذي يتكلمون عنه يفترض ان يكون حول قانون انتخاب واضح ومتكامل يتيح للمواطنين الاجابة بنعم أو كلا، وهذا المشروع غير موجود حتى تاريخه، ولو توافق عليه مجلس الوزراء اليوم لكان بوسعه ارساله إلى المجلس النيابي الذي له أن يقره (قانون الانتخاب) أو يعدله، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى الاستفتاء. أما أن يقرر رئيس الجمهورية وحده اللجوء إلى الاستفتاء وصياغة سؤال الاستفتاء فهذا غير جائز بأي شكل من الاشكال".
في كانون الثاني الماضي وخلال استقباله وفداً من قضاء كسروان - الفتوح في حضور العميد المتقاعد شامل روكز، شجع عون على "الاقتراع للأحزاب وليس للأفراد، فالنائب وحده ليست لديه القدرة على التخطيط". ويعلّق الرفاعي بالقول: "تنص المادة 7 من الدستور على أن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون فرق بينهم"، لذلك يُعتبر ان في كلام الرئيس تحيزاً يناقض نص المادة".
وماذا عن تفضيله النسبية؟ يجيب الرفاعي: "هذا أمر يعود اليه (رئيس الجمهورية) التكلم به في مجلس الوزراء عند مناقشة مشروع قانون الانتخابات، إذ يكون مترئسا الجلسة وله دستوريا الحق بادارة النقاش، وعدا ذلك يكون انحيازاً لفكرة ما قد لا يوافقه عليها المجلس النيابي ويكون الرئيس قد خُذل، وهذا ما لا نرضى به لمن يفترض أن يكون رأس الدولة والحَكم الأول".