من المعروف أنَّ الإيمان يعمل حيث لا يعمل العقل، ولكن ليس من دونه، إذ أنّ للإيمان دائرة وللعقل دائرة أخرى.
 

 ولكن السعادة لا تتم إلا بالاثنين معاً، في حقيقة الأمر إنني لا أحب أن أشكِّك في إيمان ومعتقد أحد على الإطلاق، لأن الأمور العقائدية والغيبية أشبه بالإيمان والحب والتسليم، ولهذا فإنَّ من معتقداتي أنَّ الإنسان إذا آمن إيماناً جازماً وراسخاً بأنه رأى السيدة العذراء أو التقى بالمهدي أو ظهرت له كرامة على يد أحد الأولياء والقدِّيسين بأنه شفي من مرض أو وضع له علامة على بدنه، فإيمانه بالنسبة لي هو إيمانٌ صادق، ولا يلزمني قيد أنملة بما رأى أو شاهد أو اعتقد أو شفي من فقرٍ ومرضٍ وفاقة، وهذا دين سائر الأديان والمعتقدات في التاريخ. من المؤسف أن التاريخ لا يرقد ولا يركد إلاَّ في عقولنا وبلادنا حتى في كثير من بلدان العالم الثالث وفي الدنيا كلها تقريباً نجد التاريخ بحرًا متلاطم الأمواج، ولكنه في بلادنا نجده بحيرة ساكنة ومستنقع راكد لا يثوران، لكن من حقي أن أتوجَّه بالسؤال: هل خروج المهدي المنتظر(ع) وظهور العذراء (ع) وظهور أحد الأولياء وأحد القدِّيسين هو حاجة ملحة وضرورية في حياتنا اليومية كحاجة الطفل إلى ثدي أمه وحنانها، وكحاجته إلى أبيه القوي الذي يحميه من شرك الحياة، لا يتهمني أحد بأنني أنكر وجودهم وشأنيتهم، ولا أشك قيد أنملة بأنَّ العذراء هي الأم الحنونة والعطوفة على أبنائها وأطفالها، والمهدي هو الأب القوي لأبنائه ولحمايتهم من غوائل الدهر، الذي يخرج في آخر الزمان وهو الأب الراعي والقوي الذي يقضي على الظلم ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.. والعذراء دائماً في ذاكرتي ومخيلتي هي الأم الحنون تلك التي تمثلت وهي تحتضن طفلها بين يديها السيد المسيح (ع) وتربو وتدنو إليه بحبٍ وعطفٍ وحنانٍ،وبالتالي فهي حاجة وقد تكون ضرورية في المجتمعات وخصوصاً المجتمع الذي يعاني من المرض والخوف والظلم والقهر، ولا يخفى بأنني من المؤمنين بفكرة الانتظار وفكرة الظهور، ولكن هذه الفكرة مشروطة بشرطٍ واحدٍ هو أن لا أُحلِّقُ بعيداً عن واقعنا ومأساتنا التي تكاد تمر يومياً في حياتنا التي نعاني فيها كل أنواع الأمراض، لأنَّ العذراء والمهدي والقدِّيس لا يشفون من مرض ولا يداوون مرضانا وجرحانا وجراحنا، بل هناك أطباء ومستشفيات، ونرى رجال دين كثر يتعالجون في أرقى مستشفيات العالم وعلى أيدي كبار النخبة من الأطباء، ومع ذلك يشجعون الناس على تلك الأوهام، والبعض يحث على أكل الترب والحصي، وكذلك المهدي (ع) بانتظارنا له لا يمكن أن يقضي على تخلّفنا وفقرنا ومرضنا والظلم المحاط بنا، بل يجب أن ندفع نحن جميعاً الظلم، وهذا العمل قد يُخفّف عن المهدي(ع) بعض مصائبنا، ويجب أن نحلّ أمورنا ومشاكلنا بأيدينا، من هنا قد يكون الغياب يمثِّل امتداداً لأعظم قيمة إنسانية وهي العدل والمساواة والحب والعطف والحنان، وإلاَّ عند خروجه سيقول لنا شكراً لكم جميعاً أنكم انتظرتمونا، ولكن لماذا حلَّت بكم هذه المصائب والأمراض والتخلف والفقر، وحلَّ بكم الذل والهوان، وأيضاً عندما تظهر السيدة العذراء(ع) ستقول لنا شكراً لكم ولمحبتكم لنا، ولكن لماذا لا تفشون المحبة بين أبنائكم وأرحامكم ووطنكم. أهكذا يكون الإيمان والانتظار، فألف شكرٍ وشكرٍ والسلام.