لا يؤمن سياسي مخضرم بأن العِقد التي تواجه عملية تأليف حكومة العهد الاولى، مردها إلى انتقام يمارسه رئيس المجلس نبيه بري المكلف رسمياً من الأمين العام لـ"حزب الله" بالتفاوض باسمه واسم التحالف الذي يقوده، ضد رئيس تيار " المستقبل" سعد الحريري أولاً، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثانياً، بسبب تكتمهما الشديد على التسوية التي أفضت إلى وصولهما معاً إلى بعبدا والسرايا، وحرصهما على عدم اطلاع أي فريق سياسي آخر على هذه التسوية، بمن فيهم الرئيس بري الذي يعتبر نفسه مهندس الحلول وعرابها.

وحال بري في هذا المجال ليست أفضل من حال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي يسعى إلى إظهار نفسه عراب العهد وراعيه، في حين كان خارج تفاصيل بنوده.
يدرك السياسي أن هذه العرقلة الناتجة من توزيع حقائب وتحديد أحجام ليست سوى ظاهر الأمور، فيما باطنها يكتنز خلفيات أكبر وأعمق، وهي تنحصر في هدف واحد محوري وجوهري: إرساء قواعد التعامل مع العهد الجديد من خلال طرح النظام على الطاولة، وذلك على قاعدة أن ما لم يمكن أخذه بمؤتمر تأسيسي، يمكن الوصول إليه في شكل أسهل بالممارسة. وربما هذا ما يشجع السياسي المخضرم على تفسير سبب الجدل الذي حصل حول أحقية الطائفة الشيعية بوزارة المال والعودة الى وثائق الطائف، اذ يلاحظ أن عملية قضم مبرمجة لحصص الطوائف تحصل في شكل تدريجي، وترسي أعرافا لا تلبث ان تصبح حقاً مكتسباً.
ويرى السياسي المخضرم أن طرح موضوع النظام على الطاولة سيكون عبر قانون انتخابي ينتظر أن يفتح الجدل حوله، أو عبر أعراف وقواعد تتصل بالتمسك بوزارات، أو بأحجام. ويلفت إلى ان الرئيس بري ليس وحده في هذا الموضوع، بل يقف "حزب الله" الى جانبه ويدعمه، انطلاقا من هواجس شيعية حيال الاندفاعة المسيحية وعودة التواصل مع السُنَّّة، من خلال عون- الحريري، ومساعي رئيس "القوات اللبنانية" إلى سحب رئيس الجمهورية من محور الحزب.
ولا يخفي السياسي في هذا السياق خشيته أن يصل الأمر نهاية المطاف إلى اشتباك سياسي أقوى وأكبر، خصوصا أنه مقتنع بأن رئيس الجمهورية ليس أقل من بري رغبة في المواجهة. ويكفي كلامه الأخير أمام وفد "اللقاء الأرثوذكسي" عن الـ٢٠ في المئة الذين تجب محاربتهم، لفهم استمرار وجود خلفيات تصعيدية عند رئيس الجمهورية، حتى بعدما اطمأن إلى جلوسه على كرسي الرئاسة الأولى.
والخوف الأكبر الذي يعبر عنه هذا السياسي يكمن في ان يتحول الصدام إلى مستوى أعلى، من شأنه ان يُحرج السُنّة. اذ سيكون السؤال اين سيقف السُنّة وتحديدا رئيس الحكومة؟
يرى السياسي ان الحريري يسعى الى ان يكون متوازناً ويبقى على تشاور دائم مع رئيس المجلس رغم عتب بري الذي بلغ اخيراً مرحلة الإنزعاج. علما ان الحريري يقوم في رأيه بدوره في مفاوضات تأليف الحكومة إنما من دون استعراض. لكن السياسي مقتنع بأن رئيس المجلس يضع قواعد جديدة في مقياسه للأحجام بعقل وصفه بـ" الانقلابي"، فيما المسيحيون يضعون بدورهم قواعد جديدة لقياس أحجام التمثيل المسيحي وأسلوب تعاملهم مع القوى الأخرى، بحيث بدا أن ثمة فريقين إلغائيين يسعيان إلى فرض قواعدهما.
ويروي أحد الذين اطلعوا على ما دار بين بري ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته لبيروت، ان رئيس المجلس عاد الى طرح السلة كشرط لتشكيل الحكومة في إطار استذكاره تجربة اتفاق الدوحة والسلة المتكاملة، علما ان ما تبقى من هذه السلة يكمن في قانون الانتخاب.
لكن السياسي المخضرم يبقى مؤمناً، رغم تشابك الصورة السياسية وتداخلها بما يعوق التأليف ويؤخره، بأن موضوع الحكومة هو قرار عربي ودولي كبير، وستبصر الحكومة النور في لحظة غير متوقعة لجميع القوى، تماماً كما حصل في التسوية الرئاسية!