مذ عادت الازمة المالية تلقي بثقلها على المشهد الداخلي في ظل التحذيرات الدولية المتنامية للحكومة من جراء تلكئها عن مباشرة الاصلاحات الموعودة، ترتفع وتيرة الكلام الرسمي، وآخره على لسان رئيس الحكومة عن “اجراءات موجعة” يجب اتخاذها من اجل تجاوز الازمة وعدم الوقوع في المحظور المالي. ولكن حتى الآن، لم يخرج مسؤول الى الناس ليقول ما هي هذه الاجراءات وما هي كلفتها ومن سيتحملها.

منذ تأليف الحكومة، لا ينفك رئيسها عن القول ان ثمة “قرارات صعبة في ما يختص بالموازنة والإصلاحات، وعلى الجميع أن يتشارك بمسؤولية اتخاذها”. بالامس، ولدى استقباله وفودا مهنئة بسلامته، اعاد التذكير بأن “الإصلاحات والإجراءات التي سنقوم بها سيتأثر بها الجميع، ولكن اقل واحد سيتأثر بها هو المواطن اللبناني، وأكثر من سيتأثر بها هو الإدارة اللبنانية لان المطلوب محاربة الفساد والإهدار وتنفيذ مشاريع الكهرباء”.

ورغم فتح ملف مكافحة الفساد الذي يكبد الخزينة خسائر مباشرة وغير مباشرة لا تقل قيمتها عن 10 مليارات دولار، كما قدرتها دراسة للبنك الدولي، فإن عملية المكافحة لم ترق بعد الى مستوى يضع القطار على سكة الاصلاح ويمهد لعملية “تطهيرية” في الادارة.

درجت العادة عند الحديث عن اجراءات “غير شعبية” أن يتصل الكلام بالضرائب، ولكن مع خروج وزير المال علي حسن خليل ليطمئن اللبنانيين الى ان لا ضرائب جديدة في الافق، بات السؤال الملح المطروح عن مكامن الوجع في الاجراءات المرتقبة.

ما بات أكيدا ان التسويق المسبق او تحضير اللبنانيين للاجراءات غير الشعبية المقبلة يأخذ الامور نحو 3 اتجاهات تنطلق من معادلة خفض الانفاق وزيادة الايرادات: الرواتب والاجور، الكهرباء والبنزين.

لم تتضح بعد صورة الاجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها في هذا السياق، ولكن الاكيد انها لم تعد تمتلك ترف الوقت لـ”تبليعها” للبنانيين.

فالعد العكسي قد بدأ والوقت بات ضاغطا في اتجاه التحرك سريعا قبل فوات الاوان. وليست الفضائح التي تتكشف يوميا عبر الاعلام حول مكامن إهدار المال العام وفي توقيت غير بريء إلا المدخل للعمليات الجراحية المرتقبة. علما أنه حتى الآن لا تزال الشكوك تدور حول إمكان ان تستهدف تلك العمليات وجهتها الحقيقية، بحيث لا تأتي على “كبش محرقة” وتبقى بعيدة عن الرؤوس الكبيرة المحمية بحصاناتها.

من اللجنة الوزارية للكهرباء، انطلقت اولى الاشارات الجدية الى عزم الحكومة على انجاز خطة الكهرباء في جلسة الخميس الحكومية، ما يطلق الورشة الاصلاحية التي ينتظرها المانحون من اجل فتح الاعتمادات المالية لتمويل المشاريع. ولفت في أجوبة وزير الاعلام جمال الجراح عن رفع التعرفة ان الامر بات وشيكا، لكنه مرتبط بتحسين التغذية. وللتذكير، فإن رفع التعرفة يشكل أحد الخيارات الموجعة المرتقبة لتحسين ايرادات الخزينة من الكهرباء.

ولا تستبعد أوساط وزارة المال ان يكون مشروع الموازنة العامة على طاولة مجلس الوزراء فور انجاز خطة الكهرباء، بحيث تأتي الاشارة الاصلاحية الثانية التي ينتظرها المانحون.

وقد تلقى لبنان أمس رسالة تحذير جديدة عبَّر عنها النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يورجن ريجتيريك الذي كشف عقب لقائه وزير المال “أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تشير الى أزمة وشيكة. والبنك يشعر بأن هناك حاجة الى إصلاحات مهمة وجريئة، خصوصا على صعيد تصحيح أوضاع المالية العامة والطاقة”، واصفا الإصلاحات بأنها “قد تكون مؤلمة، ولكن البديل مؤلم أكثر. والحكومة الحالية مستعدة لاتخاذ هذه الخطوات”. ونقل المسؤول الاوروبي عن رئيس الحكومة ووزير المال تأكيدهما “خطورة الوضع”، معربا عن أمله أنه بعد مرور شهرين “سنرى الموازنة قيد التنفيذ”.