لم يمض على تأليف الحكومة أكثر من خمسة أسابيع حتى بدأت تتكشف معالم التخبط في إدارة ملفات الأزمات المتراكمة شهورا وسنيناً، وتبرز الاصطفافات السياسية الحادة لمكوناتها وراء الاجندات الإقليمية المتحكمة في إدارة الصراع.

 

وبعدما تقدمت الاستفاقة المتأخرة لبعض هؤلاء على اخبار الفساد المستشري في الصفوف الأمامية، في محاولات إلهاء غير مجدية لصرف النظر عن التحديات الاساسية الداهمة، يطل الخلاف برأسه مجددا من بروكسيل التي ستكون في اليومين المقبلين محط نشر للغسيل اللبناني على خلفيات ظاهرها تنازع للصلاحيات وباطنها المواجهة المستفحلة على ملف النازحين والمقاربات الداخلية المتضاربة لمعالجته. وقد شكل استبعاد وزير شؤون النازحين صالح الغريب عن الوفد اللبناني برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بلجيكا للمشاركة في مؤتمر “بروكسيل 3” لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، والمقرر عقده في 13 آذار الجاري و14 منه، منصة لفريق الثامن من آذار لشن هجوم على الحريري وإدارته للملف.

 

وإذ يتزامن انعقاد المؤتمر مع حركة موفدين دوليين لافتة الى لبنان، لن يكون آخرها الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، أعربت مصادر سياسية متابعة عن خشيتها من الوتيرة المتسارعة لتلك الحركة، لما تحمله من رسائل شديدة اللهجة للحكومة اللبنانية في غمرة توهج الصراع الاميركي- الايراني والضغوط الدولية عموما والاميركية في شكل خاص على ايران وذراعها العسكرية في لبنان والمنطقة، والذي يمثله “حزب الله”.

 

وإذا كان لبنان مدعوا دوليا الى التزام سياسة النأي بالنفس لتحييده عن تداعيات هذا الصراع، فإن تأكيد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل أيام أن المقاومة حسمت المعركة في شكل كامل في لبنان، لا يشجع الغرب، كما انه لا يصب في خانة التزام القرار الحكومي الذي يشكل الحزب مكونا اساسيا فيه، بل هو سيدفع الى رفع وتيرة الضغط بعدما أكد الحزب في كلامه خشية الغرب من سيطرته الكاملة على السلطة في لبنان. ومعلوم أن نصرالله ذهب أبعد من السياسة عندما أثار مسألة “الجهاد بالمال”، في معرض رده على التضييق المالي الاميركي عليه.

 

فبعدما اعتمد في إطلالاته الاخيرة تركيزا على الملف الداخلي، مبرزا اهتماما استثنائيا بملف مكافحة الفساد، مع حرص على تأكيد عدم تأثر حزبه بالعقوبات الاميركية، خرج عن هذا المسار في إطلالته الاخيرة ليعيد وضع الحزب في عمق الصراع القائم من خلال دعوته أنصاره الى الجهاد بالمال.

 

لم يرم نصرالله في دعوته هذه الى إخراج حزبه من دائرة الاستهداف التي يتعرض لها لبنان من جراء العقوبات، وذلك من خلال إبعاد التهمة عن انخراطه في النظام المالي اللبناني، كما تراءى لبعض المراقبين، بل هو حرص على تأكيد الخشية الغربية الثانية من أنه قرر التحول الى الداخل لتأمين موارده المالية اذا تقلصت إيراداته الآتية من طهران، وهذا ما يعني مزيدا من الاعتماد على الأشخاص، كما لوح في كلمته عندما قال “ان من يدعمنا مستمر في دعمنا سواء كان دولا او شعوبا”، وهذا يعني حكما توسيع دائرة العقوبات، وهو ما توقعه أساسا نصرالله، عندما توقع أياما اقتصادية صعبة.

 

ولكن السؤال المطروح هو: على من سيكون عبء الايام الصعبة المقبلة، ولا سيما ان الحزب يمثل فئة واسعة من مكونات المجتمع اللبناني، وأي عبء سيطاله لن يتوقف عند حدوده بل سيطال الاقتصاد بكل قطاعاته ومؤسساته؟

 

وعليه، لا تخفي مصادر سياسية متابعة قلقها من موجة التصعيد المقبلة على لبنان على وقع تنامي الضغوط الدولية سياسيا واقتصاديا وماليا، وسط عجز رسمي عن مواجهتها بقرار موحد، وهو ما سيؤدي حكما الى تقلص فترة السماح المتاحة امام الحكومة الى حدودها الدنيا، كما سيؤدي الى إضعاف فاعليتها وقدرتها الإنتاجية، بحيث بات كل ملف شائك يُطرح على طاولة مجلس الوزراء بمثابة قنبلة موقوتة. وفي هذا السياق، لا تستبعد مصادر اخرى ان يكون لرئيس الحكومة سعد الحريري في بروكسيل موقف متقدم في مسألة عودة السوريين، وذلك في إطار سحب صاعق التفجير لهذا الملف الشائك الذي ينقسم اللبنانيون في ما بينهم على مقاربتهم له.