مرة جديدة يقع الرئيس المكلف تأليف الحكومة أسير وعد غير قابل للتطبيق، يدفعه ملزما الى ترجمة ما وعد به على صعيد حسم خياراته، طبقا لما صرح به عقب لقائه النائب السابق وليد جنبلاط قبل أيّام. فمهلة الأسبوع التي نقلها رئيس المجلس نبيه بري عن الحريري غداة لقائه إياه خلال مشاوراته الاخيرة، تكاد تنقضي من دون إحداث خرق في الملف الحكومي، بحيث ان العقد التي كانت توقفت عندها حركة التأليف قبل القمة الاقتصادية العربية لا تزال مكانها من دون أي تقدم، بعدما طرحت مسألة تبادل الحقائب عقدة جديدة أمام التأليف.

ولكن ما الذي يبرر نفحة التفاؤل التي أضفاها الحريري على حركة مشاوراته؟ وكيف يمكن تفسيرها في ضوء تلويحه بحسم خياره منتصف الاسبوع المقبل؟ وما سيكون الخيار الذي سيلجأ اليه الرئيس المكلف ما لم تنجح جهوده في الافراج عن حكومته؟ أسئلة ترددت كثيرا في الوسط السياسي في ظل عدم توافر معطيات جديدة ايجابية تبرر التفاؤل، او تبلور الخطوة التي سيخطوها الحريري، وسط معلومات مؤكدة عن أن الرجل ليس في وارد الاعتذار.

فهل المخرج في تفعيل تصريف الاعمال كما يتردد في الاروقة السياسية، معززا بقوة دفع يقف وراءها رئيس المجلس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، وعدد غير قليل من الدول الغربية والعربية الصديقة، التي ترى أن على الرئيس المكلف ان يخرج من دائرة المراوحة والانتظار التي وضع نفسه فيها، وان يمضي نحو تفعيل عمل حكومته، بما يساعد على تخطي التحديات الاقتصادية والمالية الداهمة، ويضغط على القوى السياسية الاخرى وعلى رئيس الجمهورية من أجل تسهيل ولادة الحكومة؟.

ولكن ما موقف الحريري من هذا الخيار؟ وهل ينحو في اتجاه السير به او ان ثمة معطيات غير معلنة تدفع الرئيس المكلف الى التريث وعدم الاستعجال رغم دخول مسار التأليف شهره التاسع؟

ليس لدى زوار “بيت الوسط” أي شك في نيات الرئيس المكلف الواضحة حيال الضرورة القصوى لولادة الحكومة، لتقوم بمهماتها لمواجهة التحديات الجسيمة الملقاة على عاتقها.

كما لا يخفي هؤلاء قلق الرئيس المكلف على المكاسب المحققة في مؤتمر “سيدر” والتي بات مصيرها مهددا في شكل جدي جدا اذا استمر تعثر التأليف. وهذا القلق ليس وليد انطباع شخصي، وانما نتيجة كلام واضح وصريح سمعه من السفير الفرنسي، خلال لقائه به على مسافة ايام من انعقاد القمة التنموية في بيروت ويتصل بمصير اموال “سيدر” كما بمصير زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والتي كان حُدّد لها موعد مبدئي في شباط المقبل، وقد تقرر تأجيلها في غياب وجود حكومة فاعلة.

والوضع نفسه ينسحب على الموقف السعودي الذي عبَر عنه وزير المال السعودي في منتدى دافوس عندما ربط دعم المملكة للبنان واستقراره واقتصاده بقيام حكومة جديدة.

وفي هذا السياق، يأتي تردد الحريري في تفعيل تصريف الاعمال، معطوفا على أسباب أخرى لا تقل اهمية في نظره، على ما يضيف الزوار، كاشفين عن عاملين أساسيين يحولان دون الانتقال الى خطوة كهذه: الاول يتصل بحرص الحريري على عدم تسجيل سابقة في هذا الموضوع، خصوصا في ظل الجدل الذي أثير حول دستورية انعقاد جلسات لمجلس وزراء لحكومة مستقيلة، والعودة الى سابقة سجلت قبل أكثر من 4 عقود مع حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي، (علما أن ثمة الكثير من الاختلاف في الظروف والحيثيات). ويصرّ الحريري على ضرورة أن تستمر جهود التأليف حتى لا تعتاد البلاد منطق تصريف الاعمال.

أما العامل الثاني، وربما الاهم، فيتعلق بحرص الحريري على عدم استفزاز رئيس الجمهورية الرافض بالمطلق تفعيل الحكومة، خصوصا ان اي جلسة لمجلس الوزراء لن تعقد برئاسة الرئيس. وينبع حرص الحريري من رغبته في المحافظة على العلاقة الجيدة والتحالف الوثيق مع الرئيس والتعاون والتنسيق معه في كل الخطوات.

فهل ينسحب الودّ على اوساط بعبدا في ظل ما يتردد عن دراسة قانونية ودستورية في صدد الاعداد للنظر في دستورية اقرار مشروع قانون موازنة في ظل حكومة تصريف اعمال؟