ينقل لنا التاريخ أنَّه في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان اللباس موحَّداً، فلا فرق بين العالِم والجاهل، ولا بين عالي المقام ووضيعه، حتى قيل أنَّه إذا دخل الرجُل على مجلسٍ فيقول أيُّكم محمد، لأنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتميَّز عن غيره بالزيِّ واللباس والمأكل والمشرب، فالذي كان يُميِّز العالِم عن غيره ليست عمَّته أو جُبَّته أو لحيته، بل دينه وهديه وصدقه وعفَّته، لكن بعد أن تميَّز لباس رجال الدِّين عن غيرهم، فمن السهل أن يتزيَّا بزيِّهم مَن لا أهليَّة له، فيترأس المجالس ويتقدَّم على أهل العلم الذين هم أفضل منه علماً وورعاً، أو بانتسابه إلى حزب ليستر عورته وتاريخه  وماضيه، فحينئذٍ ينخدع الناس الطَّيبون بثوبه وعمَّته وجُبَّته، فيضعون ثقتهم فيه، ويسألونه حلالهم وحرامهم ويأتمنونه على بيوتهم وأعراضهم، فهو في الواقع ينصب الدِّين فخَّاً لهم حتى إذا تمكَّن من الحرام إقتحمه.
كما يروى عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: "إذا رأيتم الرجل قد حسُنَ سمته وهديه، وتواضع في منطقه وحركاته، فرويداً رويداً لا يَغُرّنَّكم، فما أكثر ما يعجزه عن طلب الدنيا وركوب الحرام فيها لضعف بنيته، فنصب الدِّين فخاً لها وهو يختلي الناس بظاهره، حتى إذا تمكَّن من حرامٍ اقتحمه..." .مثل هذا الرجل، متلبِّس بالدِّين؛ جاهلٌ متطفِّلٌ وذئبٌ بثوب ضأنٍ، لا قِيَم دينيَّة تردعه، ولا ضوابطٌ دنيويَّةٌ تكفيه... يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه " الشيعة في الميزان": "بعد أن أصبحت العمامة شعاراً مقدَّساً بحكم العادة واستمرارها وجب صيانتها من الماكرين والعابثين، ووجب على أهلها الحقيقيين بسنِّ قانونٍ يحوطها من الفوضى والاستهزاء، ويصونها من جاهلٍ منتحل ومراءٍ منحرف، لو تزيَّا غير الشرطي بزيِّ الشرطي لعاقبه القانون، فهل تأتي الأيام ونرى لمرجعٍ دينيٍّ كبير ما لشرطيٍّ صغير من نظامٍ يحفظه ويرعاه، وإن عجز أهل الدِّين والعلم الصحيح عن إيجاد هذا النظام فألفُ خيرٍ لهم وللمجتمع أن يسيروا مكشوفي الرأس، أو يلبسوا الكُوفِيَّة والعقال من أن يتزيَّا بزيِّهم الجهلاء والدخلاء "إنتهي...ما نشهده اليوم يستدعي التوقُّف مليَّاً أمام ظاهرة رجال الدِّين وما فاض منها من ترفٍ ماليٍّ واجتماعيٍّ، ومن مصادرةٍ سياسية، جعلت المجتمع مُعلَّباً بِعُلبٍ حزبيَّةٍ مغلقة ومختومة بختم الجهل. 
لقد أودت بنا التجربة الدينية المُعمَّمة إلى قاعٍ عميقٍ من الأزمات المتعدِّدة الوجوه والأشكال، وهي تحفر عميقاً في التربة الطائفيَّة لإسقاطنا في حُفرها وإدخالنا في مقابرها المفتوحة على الاتجاهات الأربعة.
لم يُقدِّس النبي (ص) قماش قريش، ولم يرتد زيَّاً نبويَّاً أو لباساً دينيَّاً، بل كان ثوبه الوحيد من خيط فقراء قريش، وكان يرتق أطراف ثوبه الدِّيني بإبرة الزهد، وكان في مأكله وملبسه ومسكنه كأيِّ فقيرٍ في بطون ولهيب صحراء مكَّة، وهو القائل صلّى الله عليه وسلّم: "ما أنا إلاَّ ابنُ امرأةٍ كانت تأكل القديد ، وتمشي في الأسواق."