مرَّة جديدة ألَمَّت بنا كربة،لم يكفها أنها حبسَتْ أنفاسنا وأفكارنا، وربما حبست أصوات كثيرين عن أي حركةٍ، حتى باتوا وبتنا أسارى الزعامات الدينية والسياسية فاستفقنا على صخبٍ وضوضاءٍ وضجيج، وأصوات ملأت  الفضاء اكتظّت بها الأرض والسماء بالنصر والوعيد، وتعدَّدت القادة والسادة والروؤساء، وتمَّ على عجلٍ واستعجالٍ انتقال السياسة من هنا وهناك إلى الأرض التي كان اسمها فلسطين، كما أنه بنفس السرعة انتقل الاستخفاف وينتقل إلى الأرض المحيطة بها والبعيدة عنها والمسكونة بالضَّاد والفقر والجهل والمرض والخوف والقتل المجاني، ومع كل ذلك فهي مسكونةٌ بالادّعاء...وحيث كانت القوة المخيفة وحيث كانت ما يسمَّى برجحان العقول كان الهمّ والثقل والخوف، وحيث أوساخ الآذان والأدمغة كان الازدراء والاستخفاف.
تبدو المسألة واضحة وجلية، فلماذا نكثر بالكلام المزركش والألفاظ المنمَّقة حتى بتنا في البلد البليد بحاجة إلى حمَّامٍ شاميِّ ساخنٍ لغسل عقولنا من جديد قبل غسل أجسادنا وأيدينا، لأنَّ ما نشاهده ليس عقلاً لأنَّ العقل من عِقال..! كيف يعقل أن يقال عن المتهوِّر أنه حكيمٌ، وعن السارق شريف، وعن الدميم جميل، وعن الجبان شجاع، وعن الهارب مقاوم، وعن الخائن بطل، وعن طالب الكرسي والسلطة والولاية أنه نزيهٌ ونظيف، وعن اللص أنه برئ، وعن المجنون أنه عاقل، وعن الجائع أنه شبعان، وعن وعن والعنعنة اللبنانية معنعنة، والشعب مغلّف ومعلّق...فلا يمكن لأحد من الحكماء والعارفين والعلماء أن يقولوا عن قلَّة العقل أنه دين..؟وإلاَّ نكون مثل ذاك الرجل الذي أحاطت النار ببيته وامتدت إلى كل زاويةٍ وغرفةٍ، وليس بمقدوره إخمادها وليس بإستطاعته الخروج إن أراد، إلاَّ أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً،أو يكون مَثَلنا كمثل ذاك الذي أضاع تاريخه ونضاله وطريقه وضلَّت به السياسة المتقلبة والخداعة واشتبهت عليه المسالك والطرق في ليلةٍ حالكةٍ مظلمةٍ غارت نجومها وانطفأت كواكبها حينها يقف وقفة الحائر والمرتبك فلا يعلم ماذا يفعل، إن أحجم فتلك مصيبة، وإن استمر فتلك ظلمة وعتمة، فأصبحنا لا نعرف ماذا يُراد بنا وماذا يفعلون بنا، والله خير المريدين...
فمتى نستفيق من سكرتنا في بلدٍ لنفترض جدلاً أنه بلدًا، وأنه معافى من أمراضه وأوساخه، وأصبح له رئيساً عتيداً عنيداً يحسن أن يتخذ مواقفاً وطنيةً وقرارات عادلة أم غير عادلة المهم أنه قرارٌ يمكن تنفيذه ويمكن حمايته..؟ 

جُنِنّا بليلى وهي جُنَّت بغيرنا
ومجنونةٌ أخرى بنا لا نريدها