نرى أنَّ الدِّين يتحرَّك في مواجهة العقل باتجاهين مختلفين بين مؤيِّد للمعرفة الدينية وأخرى معارضٍ لها... وبناءً عليه كيف يمكن لنا قراءة وفهم هذين الإتجاهين في مقابل العقل.لذلك نرى أنَّ الأديان والمذاهب في التاريخ البشري تعيش الحالة نفسها وهي عندما يتفق العقل مع أي معلومة دينية أو موروث تاريخي ويقدِّم العقل دليلاً على صحتها ويثبت حجِّيتها بالبرهان فحينها يقال إنَّ العقل نعمة من نعم السماء لأهل الأرض وأنَّه منحة من الله تعالى للبشرية، ولكن بمجرَّد أن يتحرَّك العقل وبتلك الأدوات عينها وبنفس الوسائل والبراهين وأن يثبت قضيَّة معيَّنة خلافاً لما ورد في المعرفة الدينية يقولون هذا ليس عقلاً بل شيطاناً وراحوا يكيلون بمكيالين ويقولون إنَّه خداع للعقل البشري السليم وسندوا ذلك بمرويات "أنَّ دين الله لا يُصاب بالعقول...وأنَّ الشريعة إذا قِيست مُحِق الدِّين مَحقاً"..وبدأوا بتقسيم العقل إلى نوعين : عقل فردي أو شخصي وعقل نوعي أو مجموعي..ثمَّ حصروا العقل تحت قاعدة الحُسن والقبح العقليين وأدرجوه تحت عنوان المستقلاَّت العقلية...لكنَّ السؤال: ما هو الفارق بين هذين العقلين فما دام العقل يتحرَّك على مستوى إثبات وجود الله تعالى فهو عقل وأعظم نعمة إلهيَّة على الإنسان والمجتمع البشري، فهذا العقل نفسه قد يرى بعض الأنظمة والقوانين وبعض التشريعات أو قد يرى نظاماً مقترن بأشكال الفوضى والهرج وعدم النظم فسوف ينطلق هذا البعض الأصولي بنعته ووصفه بأنَّ هذا العقل هو عقل إستحساني وشيطاني، مع العلم بأنَّ العقل هو من أهم الأدلة التي يعتمد عليها القائلين بنظرية ولاية الفقيه الدينية والسياسية أو نظرية إقامة الحكومة الإسلامية ودليل إتِّباع الفقيه والمجتهد والرجوع إليه والإنقياد له بالطاعة العمياء تحت عنوان القاعدة العقلية "رجوع الجاهل إلى العالم" ومن ثَمَّ لا يسمح للعقل ذاته أن ينتقد هذا الحاكم أو الفقيه وخصوصاً إذا كان تحت سلطته ومرجعيته مصير مجتمع بأسره وأكمله...من هنا لا بدَّ من السعي وبذل الجهد لتحرير العقل من هذه الشبهة في مقابل البديهة في هذا الإطار المعرفي من أجل مواكبة التغيُّرات في التاريخ البشري فالرؤية الدينية الحالية تختلف عن الرؤية التي كانت قبل مائة عام ولكن عامة المتدينين يتصورون أنَّ المعرفة الدينية الآن هي ذات الدين الذي أراده الله تعالى وعندما نلتف برويَّة وتأمل إلى التحوُّلات الواقعية في الفكر الديني تبرز أمامنا هذه الشبهة وهي أننا نعيش الترجيح بلا مُرجِّح..فلو أننا قلنا ألف مرَّة بأنَّ العنزة تطير  فإنَّ الواقع لا يتغيَّر بهذا الكلام فالحقيقة الواقعيَّة هي الموجودة لا ما أريد وفقاً لما أعتقده وأمارسه تحت شعار الشعائر الدينية، وعليه فإنَّ عقائدنا ينبغي أن تكون تابعة للواقع الموضوعي لا أن نُسيِّر الواقع وفق ميولنا وآراءنا ورغباتنا..كما يقول العلامة السيد علي الأمين في بعض إجاباته تحت هذه العناوين والتقاليد في المعرفة الدينية يقول"إنَّ هذه الأمور التي تمارس في إحياء مراسم عاشوراء تندرج تحت عناوين العادات والتقاليد التي تراكمت عبر مئات السنين وليس لها في معظمها أساس من الشرع وقد تترسَّخ بعض العادات إلى درجة يصعب معها الإقلاع عنها لأنَّها أصبحت في نظر القائمين بها جزءاً من الشعائر الدينية التي يعتقد أصحابها أنهم ينالون الأجر والثواب...."ويقول الفيلسوف والقسيس المعروف"جوزيف باتلر"  "أيها المؤمنون اعلموا أنَّ الواقع لا يتبع آراءكم ، بل إنَّ آراءكم هي التي يجب أن تتبع الواقع والحقيقة" ولذلك عندما نقول لا بدَّ من السعي وبذل الجهد لتحرير هذه الشبهات هو أن نحافظ على ما هو صحيح ومعقول في المعرفة الدينية ونرفع اليد عن ما هو عادات موروثة وتقاليد غير مقبولة.