"الشارع بالشارع، والبادي أظلم". هذه هي الجملة – المفتاح التي أوحى بها الرئيس نبيه بري أمام بحر من مناصري حركة "أمل" في 31 آب 2016. كان يومها يحاول قطع الطريق على التحركات التي يهدد بها العماد ميشال عون. وقد انجز "بروفا" لهذا السيناريو في 21 أيلول، حين قطعت "اتحادات النقل البري" الطرق في شتورا وبحمدون وطرابلس وبيروت والجنوب.
 
هكذا أقفل بري لبنان ومداخل بيروت، مؤكدا للجميع انّ الشارع ليس ملكاً لأحد، وأنّه قادر على الإمساك به وشلّه ساعة يريد. ولأنّ عون أصابه الخدَر بعد "حراك" الرئيس سعد الحريري المفاجىء، وطرحه ترشيحه على الطاولة الداخلية والطاولات الخارجية، ولأنّ الرئيس بري ليس موافقا على هذا الترشيح، ولأنّ الرئيس الحريري رفض "السلّة" التي طلبها برّي، اكتمل "النقل البرّي" بـ"زعرور برّي".
 
وبما أن "النّقل" يحتلّ الساحات، فلا بدّ أن يأتي ترجمة  لـ"النقل" السياسي، من خيار لدى أحد الأطراف التي كان يحبّذها برّي ويفضّلها، أي ترشيح الحريري لفرنجية، نحو أبغض الحلال بالنسبة إليه، أي اللجوء إلى خيار ترئيس عون. وعليه تضع مصادر وزارية تحرّك "إتحاد النقل"، في إطار الإنتقال من هدف إلى هدف. وتبدي استغرابها للخفّة التي تنطلق منها الإتحادات في تحركاتها.
 
عملياً، فإن العنوان الأساسي الذي اختارته النقابات لتحرّكها، هو الإعتراض على المناقصة في الميكانيك، والمطالبة بإلغائها، لأن فيها فساد وزيادة في تعرفة إجراء المعاينة الميكانيكية، ما يكبد السائقين العموميين المزيد من التكاليف. عقد وفد ممثل عن الإتحاد وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس باعتباره وزير الوصاية على هذه المراكز. وبحسب مصادر متابعة، فإنّ الوفد طالب بإلغاء المناقصة. وتضع المصادر الطلب في خانة "الأمر الغريب وغير الممكن، وطرحه يهدف إلى ذر الرماد في العيون وتبرير استمرار التحرّك، رغم أن الوزير وعد بطرح الملف على مجلس الوزراء". وتؤكد المصادر أنّ التحرّك يأتي في إطار توجيه الرسائل السياسية.
  
تستغرب مصادر معنية بالملف هذا الإعتراض على المناقصة، لافتة إلى أن التغيير الموعود بعد المناقصة سيكون له مردود إيجابي على اللبنانيين، لا سيما أنه سيزيد عدد المراكز من 4 إلى 17 مركزاً في كل لبنان. وتصبح المعاينة بحاجة إلى عشر دقائق بفعل التوسيعات في المباني، وزيادة الموظفين، وتعدد المراكز والتطوير التكنولوجي. بالإضافة إلى تجنيب اللبنانيين التعاطي مع السماسرة. أما الإعتراض على زيادة التعرفة بقيمة أحد عشر دولاراً، فتعتبر المصادر أيضاً أنه مستغرب، لأنّ هذا المبلغ سيقتطع منه خمسة دولارات كضريبة للدولة لم تكن مكوجودة قبل المناقصة. والجميع وافق عليها. كما أن المناقصة ستوفر المزيد من فرص العمل، وبالتالي إيجابياتها أكبر من سلبياتها.
في بداية التحرك، كان المستهدف من الإعتصامات تحرّكات التيار الوطني الحرّ في الشارع، وقد أجريت بروفا في 21 أيلول، أما اليوم، وبعد توجيه الاعتصام إلى وزارة الداخلية، فقد بات واضحاً أنّ المعركة السياسية ضد "السلّة" التي يقترحها الرئيس نبيه بري، التي قادها الوزير المشنوق، اجتذبت "دبابير" اتحادات النقل البري إليه.
ومن الواضح أنّه جرى نقل هذا التحركّ لمواجهة رافضي السلّة. والمعروف أنّ الرمز الأساسي لمواجهة السلّة، والذي كان من الحلقة الضيقة المحيطة بالحريري، والذي يدعو إلى "تسوية أو مواجهة"، هو وزير الداخلية نهاد المشنوق. وهو أول من أطلق النار على السلّة، حتى وصل به الأمر إلى توجيه الرسائل بشكل مباشر إلى بري، في إحدى المناسبات البيروتية، وقال حينها في احتفال للحجاج البيروتيين بتاريخ 29 أيلول الفائت: "لي صديق قديم، أحبّ وأحترم، وبيني وبينه ودّ عميق، ولكن صراحة بعد النقاش لم استطع القبول بما يحصل. هناك مقارنة بين الايام التي ذهبنا بها الى الدوحة التي ابرم فيها اتفاق سياسي وبين الايام الحالية، ما دخل هذا بذاك؟ ذهبنا  الى الدوحة نتيجة عمل عسكري مدان، يوم اسود  في تاريخنا وفي ذاكرتنا ويوم اسود في تاريخ من اقترفه الا وهو يوم 7 ايار. لماذا ايقاظ الشياطين اليوم؟" وبذلك يسجّل المشنوق اعتراضه على الدوحة اللبنانية".
 
هكذا اكتمل "النقل البَرّي" بزعرور الرئيس "بِرّي". فهل يريد أن يحاصر "عرّاب مبادرة ترشيح عون"، الوزير المشنوق، والضغط عليه؟ وهل تفتح المعركة رسميا بين الحريري وبري؟