الويل ثم الويل لمن أراد أن ينبش في التاريخ الإسلامي،لأنه تاريخٌ كتب بأقلام السلطة وفقهائها، ولهذا تاريخنا هو تاريخٌ قلَّ فيه الضوء وكثُرت فيه الظلمات، وبما أنَّ الماضي لا يمكن أن يندثر تماماً، وينمو بشكل لا شعوري وبالأخص ثورة الإمام الحسين(ع) وما جرى من مأساة لا يمكن إنكارها، يستحق أن نقرأ الماضي بلغة النقد، وأن نسلط بعض الأضواء في شهر محرم الذي يطل علينا بكل وهجه وفورته، إنه شهر الحسين الشهيد الذي جاهد لأسمى المقاصد وأنبل الغايات،واختار المنية على الدنية،وأظهر من إباء الضيم وعزة النفس، وأي رجل قدَّم كما قدَّم الحسين نفسه وأبناءه وطفله الرضيع وإخوته وأبناء أخيه وأبناء عمه، فحريٌّ أن تقام له هذه الذكرى لنتذكر على الأقل المحرومين والمضطهدين، إنه الحسين الذي ثار على ماركة الإسلام الفارغة من جوهرها وحقيقتها وخصوصاً تلك التي يعتاد عليها الكثير من أتباعه بالتمسك بالمظاهر الإسلامية والتعصب لكل ما يصدر من الجهات الحاكمة من دون تقييم لنوعيته،إنها ماركة إسلام الكوفة كما يقول مرتضى المطهري في الملحمة الحسينية"ولا ريب في أنَّ الكوفة من شيعة علي وأنَّ الذين قتلوا الإمام الحسين هم شيعته"وما روي أيضاً عن الإمام الحسن (ع) عندما تصالح مع معاوية نادى شيعته الذين غدروا به قائلاً:"يا أهل الكوفة ذهلت نفسي عنكم لثلاث: مقتلكم لأبي،وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني،وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا وأطيعوا،فطعنه رجل من بني أسد في فخذه فشقه حتى بلغ العظم" (الإرشاد للمفيد) بالإضافة إلى أنَّ الكوفة قد إستوطنها الفرس وكانوا يسمون (الحمراء) يعني الحمر والموالي وكانت أكبر موجة فارسية إستوطنت الكوفة عقيب تأسيسها وهي المجموعة الضخمة من بقايا فلول جيش الفرس، وقد عرفت في التاريخ بإسم (حمراء ديلم) فكان عددهم – فيما يقول المؤرخون- أربعة آلاف جندي يرأسهم رجل يسمى (ديلم) قاتلوا معهم تحت قيادة (رستم) في القادسية، فلما انهزمت الفرس ،وقتل رستم عقدوا أماناً مع (سعد بين أبي وقاص) وشرطوا عليه أن ينزلوا حيث شاؤوا،ويحالفوا من أحبوا وان يفرض لهم العطاء،وقد حالفوا (زهرة بن حوبة التميمي) أحد قادة الفتح، فشكلت هذه الجالية مجموعة كبيرة من سكان أهل الكوفة حتى تجاوزت أكثر من نص سكانها،وسألوا عن أمنع القبائل العربية فقيل لهم (تميم) فتحالفوا معهم..

وما يذكر التاريخ من الذين صمموا لقتل الحسين(ع) هو عبيد الله إبن زياد أو إبن سمية أو إبن مرجانة، يقال له فارسي نسبة لأمه، زياد بن أبيه كان من ولاة علي (ع) في إحدى مناطق فارس،وبعد أن سيطر معاوية على الخلافة أصبح والياُ على البصرة ومن ثم والياً على الكوفة، وابنه عبيدالله تولي خلافة الكوفة والبصرة من يزيد بن معاوية في نفس الفترة التي قتل فيها الإمام الحسين(ع)..

ولهذا لم يكن الفرس مع شيعة الكوفة بعيدين عن مقاتلة الحسين، بل كانوا شركاء في ذلك ،الديلم بقيادة عمر بن سعد الذين استقدمهم يزيد بن معاوية رجوعاً بعد أن كانت الخلافة قد وجهته لتأديب الفرس الخارجين عن الطاعة، جيش الديلم هذا رجع مع قائده إلى الكوفة،وهناك إختلط بالمقاتلة التابعين لعبيدالله بن زياد..

هي الكوفة إنها علاقة جدلية بينها وبين الحسين(ع) فإتهام أهل العراق بقتله أسطورة، فهؤلاء الأقوام كانوا يسكنون الكوفة هم عشائر الفتح الذين نزحوا إليها بعد أن فتحوا فارس،هم عشائر حجازية ويمنية، لعل تسميتهم بالعراقيين مجازاً كما يقول الكاتب العراقي(غالب حسن الشابندر)..

فالمبالغات أضرت بثورة الحسين،وحولت ثورته إلى أسطورة وليس إلى درس،فالإمام الحسين(ع) ليس ملكاً للشيعة، بل هو ملك المسلمين ،والدعوى إلى جعل يوم إستشهاده هو يوم الشهيد الإسلامي عمل مبارك ومفيد وجامع للأمة الإسلامية..